للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو بعبارة أخرى: على المرء أن يعمل العمل وأن يجتهد في أن يكون توجهه وقصده ونيته التي تحركه للقيام بهذا العمل هو ابتغاء رضى الله، وليس هذا فحسب، بل عليه أن يستعين به سبحانه على أداء هذا العمل "فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ" [هود: ١٢٣] وبعد العمل، عليه أن يفرح بربه أن أعانه ووفقه للقيام بهذا العمل "قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا" [يونس: ٥٨]، وعليه كذلك أن يلازمه الشعور بالتقصير في جنب الله، ومن ثم الاستغفار لأن هذا العمل لا يليق بجلاله، ولا يوفي ولو جزءًا يسيرًا من حقه سبحانه، ودَينْه المستحق عليه .. دين النعم المتوالية بالليل والنهار بشتى أنواعها.

ويدل على أهمية ملازمة هذا الشعور للعبد بعد نجاحه في أداء الطاعة قوله تعالى: "ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ" [البقرة: ١٩٩] وقوله: "إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ - وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا - فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا" [سورة النصر].

جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع، فقال: يا رب ارحمه، فأوحى الله إليه: لو دعاني حتى تنقطع قواه ما استجبت له حتى ينظر في حقي عليه (١).

فإن لم نفعل ذلك، وإن سكن المرء إلى نفسه، واستعان بإمكاناته عند أداء العمل، ولم يستعن بربه استعانة حقيقية، ولم ينسب الفضل إليه، وأعجب بنفسه بعد العمل، فقد عرَّض هذا العمل للإحباط والعياذ بالله.

[ماذا لو أهملت التربية النفسية؟!]

عندما يهمل المرء تزكية نفسه فمن المتوقع أن تظهر عليه، وعلى الدائرة المحيطة به الكثير من الآثار السلبية .. هذه الآثار ستتفاوت من شخص لآخر بحسب درجة إهمال تزكية النفس.

فمن تلك الآثار المتوقعة: استحواذ المُعجَب بنفسه على الحديث في أي لقاء يجمعه مع غيره لأنه يرى أنه أحسن من يتكلم.

وستُسوِّل له نفسه أنه أحسن من يفكر، لذلك قد تجده مصرًّا على فرض رأيه على من حوله، مُعرضا عن الاستماع إلى آراء الآخرين، بل قد يسفه آراءهم، ولا يقيم لها اعتبارًا.

ومن تلك الآثار: إكثاره من نصح الآخرين وتوجيههم، ونقد آرائهم وأفعالهم، وفي نفس الوقت تجده لا يقبل النصح من أحد وخاصة من أقرانه أو من هم أقل منه سنا أو شأنا، ولا يسمح لأحد بنقد آرائه أو أفعاله.

يصعب عليه الاعتراف بخطئه، ويجتهد في تبرئة نفسه من أي اتهام بالتقصير ولو اضطره ذلك إلى الكذب أو اتهام الآخرين بالتجني عليه وظلمه.

إذا ما تولي رئاسة عمل (ما) تراه شعلة نشاط، فإذا ما تم تأخيره ولو لخطوة واحدة، وَتقدَّم غيره عليه؛ أصابه الفتور، وأخذ يتهرب من أداء التكاليف، مع تصيده لأخطاء من أخذ مكانه، وكثرة نقده والتقليل من شأن أعماله.

لا يحب الناجحين من أقرانه، ويتحاشى الحديث عنهم، فإن اضطر لذلك تجده يجتهد في إبراز سلبياتهم، والتقليل من حجم نجاحهم.

عندما يتحدث في أي محفل فإنك تجده دوما يصبغ كلامه بالحديث عن نفسه (أنا .. لي .. عندي)، ولا يمل من تكرار ذلك.

لا يقوم بتفويض غيره من أقرانه، أو من يعمل تحت يديه بأداء أعماله ذات الصبغة التوجيهية ولو كانت صغيرة، لأنه لا يري أن هناك من يمكنه أن يؤدي مثل أدائه المتفرد، ويوجه مثل توجيهه المتوحد.


(١) الزهد للإمام أحمد ص ٨٨ - دار الكتب العلمية.

<<  <   >  >>