للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن الضروري أن يكون هناك جزءًا معتبرًا من حركة المسلم مخصصًا لتلبية احتياجاته، واحتياجات من يعولهم دون إخلال بواجباته الدعوية كما سيأتي بيانه. ولكي يستفيد المرء من هذا الجزء المعتبر من الجهد المبذول؛ من المناسب أن يتعلم ويكتسب بعض المهارات التي من شأنها أن تحسن أداءه، والتي يطلقون عليها مسمي «تطوير الذات»، ومن أمثلة تلك المهارات:

إدارة الوقت، التواصل مع الآخرين، التخطيط، فن التعامل مع الزوجة والأولاد، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة الحذر من الانبهار بهذا الأمر والانسياق وراءه بالدرجة التي تشغل الوقت والفكر، وتبعد المسلم عن مهمته الأساسية في إصلاح نفسه ودعوة غيره.

إن هذه المهارات ينبغي أن تكون كالمُحسِّنات للطعام، فهي لا تصنع شخصية متكاملة، ولا تبني فكرا، ولا تنور قلبا، ولا تزكي نفسا.

بالفعل هي تُحسِّن الأداء -بعون الله- ولكن لابد من وضعها في مكانها الطبيعي في سلم أولويات التربية حتى لا ينساق المرء وراء بريق شعاراتها، وبما تحققه من نجاح سريع في بعض الجزئيات، فتأتي عنده بنتيجة عكسية، ويظن أن إتقانه لعدد من المهارات كفيل بتكوين شخصيته، وتقويم سلوكه، وأن ما ينقص الأمة هو الاهتمام أكثر بهذه المهارات .. كل ذلك قد يحدث نتيجة الفراغ الداخلي، وعدم وضوح الرؤية لطبيعة وظيفة المسلم على الأرض.

ونعود فنؤكد بأن هذا الكلام ليس معناه الزهد في هذا (الفن) بل معناه وضعه في حجمه الطبيعي، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّي وجدها فهو أولى الناس بها.

بذل الجهد في سبيل الله:

بالإضافة إلى حركة المرء لتلبية احتياجاته المعيشية؛ فإن على المسلم أن يكون له جهد وحركة في سبيل الله من خلال محورين أساسيين:

[المحور الأول: العمل الصالح]

على المسلم أن يعمل بالطاعات والأعمال الصالحة التي أمره الله بها، ويجتهد في القيام بالأعمال المندوبة والتي تسمي «فضائل الأعمال» قدر المستطاع.

فلكي يرسخ الإيمان في القلب لابد من إتباعه بالعمل الصالح: "وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا" [طه: ٧٥].

فعلى المسلم أن تكون دائرة بذل جهده الأولى هي نفسه وأن يجتهد في استكمال جوانب التربية الثلاثة المشار إليها آنفا (المعرفية والإيمانية والنفسية)، وأن يجتهد كذلك في العمل بكل ما يبلغه من أعمال صالحة موافقة للسنة حتى يكتب من أهلها.

يقول الإمام النووي: ينبغي لمن بلغه شيء من فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقا، بل يأتي بما تيسر منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (١).

[المحور الثاني: دعوة الخلق إلى الله]

وعلى المسلم أن يكون له جهد معتبر يبذله في الدعوة إلى الله "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ" [يوسف: ١٠٨].

فلا يكفي أن يكون المسلم صالحا في نفسه ليحقق العبودية الحقة الكاملة لله عز وجل، بل لابد من قيامه بواجب تبليغ رسالة ربه، ودعوة خلقه إليه "قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا - إِلاَّ بَلاَغًا مِّنَ اللهِ وَرِسَالاَتِهِ" [الجن: ٢٢، ٢٣].

وليس هذا أمرًا اختياريا، بل هو تكليف إلهي لأمة الإسلام منذ أن اختارها الله عز وجل لتقود البشرية وتسعدها بالإسلام.

إنه تكليف إلهي بالشهادة على الناس "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ" [البقرة: ١٤].


(١) الأذكار للنووي ص ٢٧، ٢٨ - دار الهدى- الرياض.

<<  <   >  >>