للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن فمعرفة الدنيا هي المحور الثالث الذي تنطلق منها صفات الجيل الموعود، وبخاصة صفة الزهد وما شابهها من صفات.

- الإيمان بالآخرة:

وعلى عكس تعاملنا مع الدنيا نتعامل مع الآخرة، فعلى الرغم من كون الآخرة هي دار القرار وأن في الجنة من صور النعيم ما لا يمكن أن يدركه العقل البشري المحدود، وأن في النار من صور العذاب ما لا يتحمله بشر إلا أننا لا نتعامل مع هذه الحقيقة كما ينبغي، فلا ترانا مشمرين للجنة، بل زاهدين فيها وفي كل ما يقرب إليها، ولا ترانا كذلك خائفين وجلين من النار، أو عاملين على الهروب منها، وهذا بلا شك ناتج عن الجهل بحقيقتهما.

إن وضوح الرؤية بالنسبة للجنة وعدم غياب حقيقتها عن ذهن المسلم له دور كبير في التشمير لها، فينعكس ذلك على تصرفاته، من المسارعة في الخيرات، والإكثار من العبادة، والجهاد في سبيل الله، والصبر على مشاق الطريق.

معنى ذلك أن معرفة الآخرة والإيمان بها يشكل المحور الرابع، الذي تنطلق منه صفات الجيل الموعود بالنصر والتمكين.

- المعارف الأربعة:

إذن فهناك أربعة معارف تشكل المنطلقات الأساسية لأغلب صفات جيل التمكين، هذه المعارف هي: معرفة الله عز وجل، ومعرفة النفس، ومعرفة الدنيا، ومعرفة الآخرة، مع الأخذ في الاعتبار بأن المعرفة المطلوبة ينبغي أن تكون معرفة عميقة راسخة في يقين الإنسان وعقله الباطن، تؤثر في مشاعره لتصبح جزءًا أصيلًا من إيمانه يدفعه للتعامل الصحيح مع الله، ومع النفس، ومع الدنيا، ومع الآخرة، مما يثمر إخلاصًا لله عز وجل، وحبًا له، وخوفًا منه، وإكثارًا من عبادته، وتواضعًا، وزهدًا في الدنيا، وجهادًا، وتضحية، وصبرًا وثباتًا، وطاعة، وتجردًا، وتوكلًا على الله عز وجل.

- الحكمة ثمرة الفهم:

أما صفة الاعتدال والتوازن وهي الصفة العاشرة فهي ثمرة للفهم الصحيح للدين وشموله، ومراتب أحكامه، وهي ثمرة كذلك لمعرفة فقه الأولويات، وفقه الموازنات، وفقه الواقع، وفقه المقاصد، وفقه الخلاف، مع الأخذ في الاعتبار أهمية هذا المحور -محور الفهم- كضابط يمنع جنوح الأعمال التي قد تدفع إليها قوة الإيمان بالله واليوم الآخر، وقوة الحذر من الدنيا والنفس.

فمن المتوقع أن هذه المعارف الأربعة عندما تتمكن من العبد فإن من شأنها أن تدفعه إلى ترك الدنيا أو التشديد على النفس ومنعها من بعض حظوظها المباحة، وقد تدفعه إلى التشدد فيما لا ينبغي التشدد فيه، والترخص فيما لا ينبغي الترخص فيه.

ومن هنا كانت الحكمة والاعتدال والتوازن والوسطية ثمرات طيبة للفهم الصحيح للدين.

معنى ذلك أن الفهم الصحيح للإسلام هو المحور الخامس الذي تنطلق منه صفات الجيل الموعود بالنصر والتمكين.

- الأخوة:

تبقي صفة الأخوة والترابط وموالاة المؤمنين .. هذه الصفة ماهي إلا ثمرة من ثمرات الإيمان بالله عز وجل، ولازمة من لوازمه، وكلما تمكن الإيمان بالله في القلب ازداد الحب في الله ..

تأمل معي حال الأنصار عندما تمكن الإيمان من قلوبهم حتى وصلوا إلى الدرجة التي قال عز وجل عنها: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} (الحشر:٩).

فكأنهم دخلوا بكليتهم في الإيمان، فاختلط بلحومهم، ودمائهم فضلًا عن تمكنه من قلوبهم.

هذا المستوى العجيب من الإيمان ماذا أثمر؟

أثمر حبًا في الله تجاه المهاجرين ظهرت آثاره بأفعال لم يعهدها البشر: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:٩).

<<  <   >  >>