للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبترديد الآية التي تؤثر في القلب تتولد داخل العبد طاقة، عليه أن يُحسن تصريفها بالبكاء والدعاء كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩].

[سابعا: استصحاب معنى من المعاني الإيمانية:]

الوسائل السابقة تكفي بمشيئة الله وعونه لحسن العودة إلى القرآن، والانتفاع بمعجزته، إذا ما داومنا عليها، وصبرنا على ذلك.

وهناك وسيلة أخرى من شأنها أن تُسرع الخطى نحو الدخول إلى عالم القرآن، ودائرة تأثيره القوية على الإنسان.

هذه الوسيلة هي استصحاب معنى من المعاني الإيمانية، والبحث عن مدلوله من خلال رحلتنا مع القرآن.

فإذا ما كانت رحلة المسلم مع كتاب ربه تبدأ من سورة الفاتحة وتنتهي بسورة الناس، فلتكن من سمات كل رحلة البحث عن معنى جديد من المعاني التي تؤسس القاعدة الإيمانية في القلب وتبني اليقين في العقل.

ومما لا شك فيه أن استصحاب معنى إيماني أو أكثر في كل رحلة سيكون له بعون الله وفضله أبلغ الأثر في تذوق حلاوة الإيمان، فإذا ما صاحب ذلك ربط مدلول هذا المعنى بواقع الحياة فلا تسل عما سيحدثه من قرب حقيقي، ومعرفة، وأنس بالله عز وجل، والتمتع بالحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده وأوليائه.

ومن فوائد استصحاب المعنى الإيماني في قراءتنا للقرآن أنه يُثير الهمة ويقوي العزيمة.

يقول ابن القيم:

فإن سيرهم - أي السائرين إلى الله - إنما هو على الشواهد، فمن كان لا شاهد له فلا سير له، ولا طلب ولا سلوك له.

قالت عائشة رضي الله عنها: «من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رآه غاديا رائحا، لم يضع لبنة على لبنة، ولكن رُفع له علم فرآه فشمر إليه».

ولا يزال العبد في التواني والفتور والكسل، حتى يرفع الله عز وجل بفضله ومَنِّه علما يشاهده قلبه، فيشمر إليه ويعمل إليه (١).

وإليك أخي القارئ بعضا من العناوين المقترحة لهذه المعاني الإيمانية، لك أن تستصحب منها ما تشاء في رحلتك المباركة مع كتاب ربك (٢).

[التعرف على الله (الواحد)]

وذلك من خلال تتبع آيات القرآن التي تتحدث عن صفة الوحدانية، وآثارها في الكون، وكيف يُثبت القرآن أن للكون إلها واحدا لا شريك له، وأنه هو الله، ونتتبع كذلك تفنيد الآيات لمزاعم المبطلين الذين يدعون أن هناك إلها آخر للكون، أو أن لله شريكا في ملكه.

مثل قوله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: ١١].

وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: ٤].


(١) مدارج السالكين ٣/ ٣٦٦، ٣٦٧.
(٢) نسأل الله عز وجل أن يتم علينا فضله وييسر لنا إتمام كتاب: «رحلة الإيمان من خلال القرآن» وسيكون فيه الحديث بالتفصيل عن هذا الموضوع بمشيئة الله مع عرض الكثير من المعاني الإيمانية في القرآن وربطها بالواقع.

<<  <   >  >>