للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحدد لنا سبحانه وتعالى شكل العبودية التي يريدها منا من خلال منهج وأدوات، وجعل المنهج ميسرا وسهلا: تكاليف قليلة، أوامر ونواه ضمَّنها كتابه، وشرحها رسوله صلى الله عليه وسلم، أما الأدوات فهي ما يُعطيع - سبحانه - لعبده أو يمنعه عنه .. فيُعطي بعضهم أشياء مثل المال، الصحة، المنصب، ... ويمنعها عن آخرين ..

والهدف من العطاء: الشكر. ومن المنع: الصبر .. فمن أعطي مالا ولم يشكر الله عليه فقد رسب في هذا الاختبار، ومن حُرم الأولاد فصبر ورضي فقد نجح وحقق المطلوب منه.

فالعبد الصالح يستقبل العطاء، أي عطاء، مستشعرا قول الله عز وجل: {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [النمل: ٤٠].

والآخر يستقبله وهو يردد {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} [الزمر: ٤٩]، وهو لا يدري أنه اختبار {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٤٩].

ويُذكرنا الله عز وجل أنه ليس لأحد أن يملك شيئا من الدنيا، فكل عطاء مُسترد، وسنخرج منها كما دخلنا فيها، فالله عز وجل سيرث الأرض ومن عليها من ذهب وفضة و ... فما علينا إلا أن نردد {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ١٥٦].

[لماذا الاختلاف بين الناس؟]

فإذا ما تبين ذلك كانت الإجابة سهلة عن السؤال الذي يشغل بال الكثير، وهو: لماذا الاختلاف بين البشر في العطاء والمنع، وأيهما أفضل: الغنى أم الفقر؟ من عنده أولاد أم من حُرم منهم؟

الأفضل من ينجح في مادته، فالغني الشاكر خير من الفقير غير الراضي وغير الصابر، ومن حُرم الأولاد فصبر خير ممن رُزق الأولاد ولم يشكر الله عليهم ..

فالعبرة في الكيفية التي نتعامل بها مع المنع والعطاء، ويتضح هذا جليا في قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا} [الفجر: ١٥ - ١٧].

أما الشيطان فهو يدخل علينا من نفس مداخله على أبوينا: الملك والخلد .. فيُزين لنا العطاء على أنه مُلك حقيقي، ويُبهرج الدنيا أمام أعيننا، فنحبها ونتشبث بها، ونتصارع عليها، ثم نُفاجأ بعد ذلك أننا لم نجن من ورائها إلا السراب {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: ١٢٠].

[إنها القصة المكررة منذ القدم]

فإن كان هذا هو المنهج وهذه هي الإجابة المطلوبة، فما هو زمن الامتحان، ومن الذي يتولى الرقابة عليه؟

أخبرنا الله عز وجل بأن وقت الامتحان يبدأ من وقت البلوغ والتكليف وينتهي عند نزع الروح من الجسد، وأخبرنا كذلك بأن باب التوبة مفتوح طوال هذه الفترة، فلنا أن نمحو كل الإجابات الخاطئة، ونستبدلها بحسنات ما لم نغرغر ..

أما تسجيل الإجابات والرقابة على الأرض فتتولاها أكثر من جهة، فالملائكة تُسجل كل أعمالنا {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨].

وأجسامنا شهيدة علينا {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤].

والكون كله يراقبنا {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان: ٢٩].

<<  <   >  >>