للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا الكون المسخر لنا أودع الله فيه الكثير من أسمائه وصفاته، وجعلها تدل عليه سبحانه وتعالى، ودعانا إلى السير في الأرض، والتأمل في مخلوقاته، واكتشاف أسرارها لتزداد معرفتنا به، قال تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية: ٣ - ٥]. إنه كون ينتظر فتحنا، واكتشافنا له .. مئات الأنواع من الطيور التي خلقها الله عز وجل تبحث عمن يكشف أسرارها ويتعرف على الله من خلالها، الأشجار المختلفة، والكائنات العجيبة، ما خلقها الله عبثا ولا سدى، قال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف: ١٠٥].

والقرآن يحثنا في مواضع كثيرة على النظر في آيات الله في الكون، والعمل على فهم الرسائل التي تحملها لنا: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: ١٠١].

[الكون العابد]

ومع تسخير المخلوقات وما تحمله إلينا، فإنها أيضا تشترك معنا في العبودية لله عز وجل تُسبحه، تسجد له، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: ١٨].

الكل يُسبح لله {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجمعة: ١].

إنه كون يغار على حرمات الله، ويغضب لانتهاكها {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: ٨٨ - ٩١].

هذه العلائق المتعددة مع الكون لن نستطيع أن نُدرك معانيها، ولا أن نُحقق مدلولاتها إلا من خلال القرآن ... ولعل ما يؤكد هذا الأمر قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه قول الله عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ١٩٠]، قال: «ويل لمن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر بها» (١).

الجانب الثامن

حقوق العباد بعضهم على بعض

المتأمل للمعاملات التي تجري بين الناس يجدها لا تخرج عن ثلاثة أقسام:

عدل أو ظلم أو إحسان.

أما العدل فهو إعطاء كل صاحب حق حقه دون زيادة أو نقصان.

وأما الظلم فهو حرمان ذي حق من حقه، والاحتفاظ بالامتيازات.

وأما الإحسان فهو نقيض الظلم، ويعني الفضل والزيادة، بمعنى أنك تُعطي أحد أكثر من حقه عليك.

فعلى سبيل المثال:

دفع الظلم ورده عن صاحبه: عدل لا شيء فيه، أما العفو والصفح عن الظالم فإحسان يُثاب عليه فاعله.


(١) أخرجه الديلمي (٤/ ٤٠٠، رقم ٧١٥٨)

<<  <   >  >>