للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن كيف يُشخص الداعية حال من يدعوه، وهل هو من الذين يجهلون الحق أو يجحدونه؟

إنه أمر صعب لا يستطيع أحد أن يصل إليه، لذلك جعل الله سبحانه دور الداعية، بل الرسول عليه الصلاة والسلام البلاغ والإنذار، قال تعالى: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى: ٤٨]، وقال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: ٢١٤].

فليس لأحد ان يُرغم أحدا على الدخول في الدين كما قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦]، ولكن المطلوب أن يُبين له طريقي الحق والضلال: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦].

ولقد خاطب الله عز وجل نبيه عليه الصلاة والسلام بألا يحزن على عدم إيمان هؤلاء المعرضين: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣].

فهم لا يُريدون الهداية: {فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [التغابن: ٦].

وعندما انشغل صلى الله عليه وسلم ببعض من هؤلاء المعرضين عن الهداية، وترك آخر يسعى من أجلها عاتبه الله عز وجل بقوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس: ١ - ١١].

لماذا يُثيرون الشُبهات؟

عندما يتمكن الهوى من القلب فإنه يعمل على إغلاق سمع وبصر صاحبه تجاه الحق، بل يدفعه إلى إثارة الشبهات حوله، ليظهر صاحب الحق بمظهر العاجز المهزوم، وينتفش الباطل، ويجد أهل الأهواء لأنفسهم مبررا لاستمرارهم على ما هو فيه.

وما من دعوة لله عز وجل قامت إلا وعمل أصحاب الأهواء على إثارة الشبهات حولها، تأمل معي ماذا قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا} [الفرقان: ٧ - ٩].

ثم تأمل ما قال الله سبحانه وتعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام، وكيف بين دافعهم من وراء هذه الشبهات، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (١٠) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان: ١٠، ١١].

[صور الهدى]

بيَّن القرآن الصور المتعددة لتمكُّن الهوى من القلب ... فالخوف على الرزق وعلى الحياة يُسيطر على الإنسان ويمنعه من قبول الحق.

قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: ٥٧].

والرغبة في التمتع بالشهوات والفجور دون ضابط ولا رقيب من صور الهوى كذلك.

قال تعالى: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة: ٥، ٦]. ومن صوره أيضا حُب العلو في الأرض، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: ١٤].

<<  <   >  >>