للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت قراءته صلى الله عليه وسلم للقرآن قراءة متأنية مترسلة .. تقول السيدة حفصة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها (١)، وكان صلى الله عليه وسلم يقف عند المعاني متأملا ومعتبرا، فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح بالقرأة فقرأها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع (٢).

بل إنه عليه الصلاة والسلام قام ليلة بآية واحدة حتى أصبح يرددها، وهي قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (٣) [المائدة: ١١٨].

[التحذير من عدم الانتفاع بالقرآن]

وكان صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من الاهتمام بشكل الأداء فقط دون المعنى، فعن سهل بن سعد الساعدي قال: بينما نحن نقترئ إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأخيار، وفيكم الأحمر والأسود، اقرأوا القرآن، اقرأوا قبل أن يأتي أقوام يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه» (٤).

وكان يؤكد لأصحابه على أن المعنى هو المقصود من القراءة، وأن القارئ لابد أن يفقه ما يقول، فعندما سأله عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - عن المدة التي يختم فيها القرآن قال صلى الله عليه وسلم: «اقرأه في كل شهر». قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال: «اقرأه في خمس وعشرين». قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال: «أقرأه في عشرين». قال: قلت: إني أقوي على أكثر من ذلك. قال: «اقرأه في خمس عشرة». قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك. قال: «اقرأه في سبع». قال: قلت: إني أقوي على أكثر من ذلك. قال: «لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث» (٥).

[القرآن علم يدعو للعمل]

وكان صلى الله عليه وسلم يدرك قيمة القرآن العظمى وأنه منهاج حياة ومصدر سعادة للفرد في الدنيا والآخرة، لذلك كان حريصا على أن يتعامل الصحابة مع آيات القرآن على أنها رسائل جاءتهم من ربهم، تأخذ بأيديهم إلى الصراط المستقيم، وهذا لن يتحقق إلا إذا جعلوا القرآن أمامهم واتبعوا تعليماته.

فالقرآن علم يدعو للعمل، فمن سار وراء توجيهاته كان من أهله، وإن لم يكن يقرؤه، وهذا لا يعني ترك قراءته ولكن يعني الحرص على العمل بمقتضى علمه.

ومما لا شك فيه أن الذي يواظب على قراءته ويتلوه بالليل والنهار، ويقرون ذلك بالعمل أفضل بكثير ممن يعمل به ولا يقرؤه.


(١) رواه مسلم (٧٣٣).
(٢) رواه مسلم برقم (١٧٦٤).
(٣) أخرجه أحمد (٣٥/ ٢٥٦ برقم ٢١٣٢٨)، وابن ماجه (١/ ٢٤٩ برقم ١٣٥٠) وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح النسائي (١٠١٠).
(٤) أخرجه أحمد (٥/ ٣٣٨، رقم ٢٢٩١٦)، وعبد بن حميد (ص ١٧١، رقم ٤٦٦)، وأبو داود (١/ ٢٢٠، رقم ٨٣١)، وابن حبان (٣/ ٣٦، رقم ٧٦٠)، والطبرانى (٦/ ٢٠٧، رقم ٦٠٢٤)، والبيهقى فى شعب الإيمان (٢/ ٥٣٩، رقم ٢٦٤٥).
(٥) أخرجه الإمام أحمد، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة ح (١٥١٣).

<<  <   >  >>