للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر. ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها» (١).

إن قيمة العلم الحقيقية فيما يحدثه من خشوع في القلب يدفع صاحبه للعمل.

عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: «هذا أوان يختلس العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء»، فقال زياد بن لبيد الأنصاري: كيف يختلس العلم منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال: «ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم؟»، قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت قلت: ألا تسمع إلى مايقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قاله أبو الدرداء، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنك بأول علم يرفع من الناس؟ الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا (٢).

«فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العلم عند أهل الكتابين من قبلنا موجود بأيديهم، ولا ينتفعون بشيء منه لما فقدوا المقصود منه، وهو وصوله إلى قلوبهم حتى يجدوا حلاوة الإيمان به، ومنفعته بحصول الخشية والإنابة لقلوبهم، وإنما هوعلى ألسنتهم تقوم به الحجة عليهم» (٣).

من هنا يتبين لنا خطورة التحذير النبوي «القرآن حجة لك أو عليك» (٤).

وكما يقول ابن عمر رضي الله عنهما أن كل حرف من القرآن ينادي: أنا رسول الله إليك لتعمل بي، وتتعظ بمواعظي.

[عدم الاختلاف في القرآن]

لأن القرآن هو النعمة العظمى التي اختص الله بها الأمة، ولأن عز المسلمين مرتبط بتمسكهم به، واجتماعهم عليه، كان صلى الله عليه وسلم حريصا على عدم الاختلاف في القرآن، فما نعرف منه فلنعمل به، وما جهلنا منه فلنكله إلى عالمه سبحانه وتعالى.

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم فجلسنا حَجَرة إذا ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول: «مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يُكذِّب بعضه بعضا، بل يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» (٥).

وعن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن ما أئتلفت قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه» (٦).


(١) أخرجه البخاري رقم (٥٠٢٠).
(٢) أخرجه الترمذي (٢٧٧)، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (٦٩٩٠).
(٣) الذل والانكسار لابن رجب ص (٤٦).
(٤) رواه مسلم
(٥) رواه أحمد (١١/ ٣٠٤ برقم ٦٧٠١) وقال السيخ شعيب الأرنؤوط: صحيح، وهذا إسناد حسن.
(٦) متفق عليه: البخاري (٤/ ١٩٢٩ برقم ٤٧٧٣، ٤٧٧٤)، (٦/ ٢٦٨٠ برقم ٦٩٣٠، ٦٩٣١)، ومسلم (٨/ ٥٧ برقم ٦٩٤٩).

<<  <   >  >>