للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتوالى هبوط الناس إلى الأرض وخروجهم منها إلى أن يأتي آخر عدد قدره الله عز وجل، فيؤدى الاختبار ويكتمل امتحان الجميع، فينتهي دور الأرض كقاعة امتحان فتتزلزل، وتُخرج منها ليبدأ يوم الحساب وإعلان النتائج: إما النجاح والعودة إلى الجنة، أو الرسوب والحبس في النار.

[ماذا فعل الناس على الأرض؟]

خرجت الأجيال إلى الأرض بفطرة سليمة، مُهيأة لعبادة الله عز وجل، ولكن إبليس اللعين لم يكن ليتركهم ينجحون في امتحان العودة إلى الجنة .. وكيف يتركهم وقد طلب المهلة من الله عز وجل لا ليرتاح، بل ليُضل الناس جميعًا ويسوقهم معه إلى النار؟ فهو يعتبر كل فرد ينجح في الفرار منه، والعودة إلى الجنة، دليل على أفضلية آدم عليه، وأحقيته بالسجود له - كما طلب الله منه - لذلك فهو يعمل جاهدًا على غواية الجميع من خلال ذريته، وألا يفلت أحد من قبضته، فتراه لا يترك فرصة للإضلال إلا ويستغلها.

مدخله الأساسي النفس البشرية وما فيها من جوانب ضعف كثيرة، وولع بالشهوات، وحب للراحة، فيدخل إلى القلب من خلالها ليستولي على إرادته فيصير أسيرًا له يأمره وينهاه كيفما شاء {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: ١١٩].

وللأسف الشديد فقد اتبعه خلق كثير {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس: ٦٠ - ٦٢].

اتبعوه بإرادتهم بعد ان زين لهم الدنيا وزخرفها، وأنساهم ربهم وما طالبهم به {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة: ١٩].

فانتهت حياة الكثيرين منهم نهاية مظلمة، وانكشفت لهم الحقيقة، ولكن بعد فوات الأوان وانتهاء فترة الامتحان {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ٩٩، ١٠٠].

[حب الله لعباده]

بالرغم من اتباع الغالبية العظمى من الناس لعدو الله إبليس، ونبذهم عبادة ربهم إلا أنه سبحانه وتعالى لم يشأ أن يعاقبهم على ذلك بحرمانهم مما حباهم به، فنعمه عليهم مستمرة، ورعايته لهم قائمة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٤٣].

لا يتربص بهم، ولا يأخذهم حال معصيتهم {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ} [يس: ٦٧].

بل يُمهلهم ويُعطيهم الفرصة تلو الفرصة ليعودوا إليه قبل فوات الأوان {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: ٦١].

يصبر عليهم وهم يتمادون في العصيان والكفر .. يحلم بهم لعلهم يفيقون ويثوبون إلى رشدهم .. يُمسك السماوات أن تقع على الأرض والبحار من أن تُغرقها غضبًا منها على العصاة {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: ٤١].

لم يتركنا نواجه الشيطان بمفردنا، بل جعل لكل منا ملكًا يحضُّه على فعل الخير.

<<  <   >  >>