للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن طريق العودة الصحيحة إلى القرآن كهاد إلى الله وإلى صراطه المستقيم .. سهل ميسر - بإذن الله - إذا ما استطعنا أن نجتاز العقبات التي وضعت أمامنا خلال القرون الأخيرة، وأن نغير بعض الموروثات التي ورثناها.

وفي هذا الفصل سيكون الحديث - بعون الله - عن أهم العقبات التي تقف في طريق العودة وكيفية التعامل معها.

وهي على سبيل الإجمال:

١ - الاهتمام الشكلي فقط.

٢ - الخوف من تدبر القرآن.

٣ - مفهوم التدبر وطبيعته.

٤ - ضرورة ختم القرآن في مدة محددة.

٥ - أمراض القلوب.

٦ - مفهوم الانشغال بالقرآن.

العقبة الأولى

الاهتمام الشكلي فقط

والمقصد من ذلك هو قصر التعامل مع القرآن على ألفاظه وحروفه فقط.

ومن مظاهر تلك العقبة:

- الاهتمام الشديد بإتقان أحكام التلاوة والتعمق فيها، دون أن يصاحب ذلك اهتمام مماثل بالمعنى.

- ومنها: التركيز عند قراءة القرآن على الانتهاء من أكبر قدر من الآيات، وبخاصة في شهر رمضان، حيث التسابق على عدد الختمات، دون اهتمام بالمعنى.

- ومنها: الحرص على حفظ ألفاظ القرآن، وبذل الوقت والجهد في ذلك، دون معرفة معاني الآيات، وما فيها من إيمان، وما تدل عليه من عمل.

- وغير ذلك من المظاهر التي تدور حول قصر الانتفاع بالقرآن على الناحية الشكلية فقط.

ومما يعين على تجاوز هذه العقبة: معرفة الهدف والمقصد الذي من أجله نزل القرآن، ثم ليسأل كل منا نفسه بعد ذلك: هل يمكننا تحقيق هذا المقصد بمجرد تلاوة ألفاظه بحناجرنا فقط؟! فكما قال الحسن البصري رحمه الله: إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله ولم يأتوا الأمر من أوله. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: ٢٩]. وما تدبر آياته إلا اتباعه لعلمه. أما - والله - ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله قد قرأت القرآن كله ما أسقطت منه حرفا ... قد والله أسقطه كله، ما رئي القرآن له في خلق ولا عمل ... (١).

إذن فاجتياز هذه العقبة يستدعي منا أن نأتي أمر القرآن من أوله، بمعنى أن يكون همنا في التعامل معه كيفية الانتفاع به كهاد إلى الصراط، ومصنع للتغيير، وأما إتقان تلاوته والمداومة عليها وحفظه فما هي إلا وسائل معينة على تحقيق هذا المقصد.

قال الفضيل بن عياض: إنما نزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملا، قيل: كيف العمل به؟ قال: أي: يحلوا حلاله ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهواعن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه (٢).


(١) سبقت الإشارة إليه.
(٢) مقدمة في أصول التفسير ص (٧٥).

<<  <   >  >>