للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا ما نظرنا إلى الهدف الأسمى من نزول القرآن، وربطنا بينه وبين ما رتب الشارع الحكيم على قراءته من ثواب عظيم، لوجدنا أن من أهداف هذا الثواب تشجيع المسلمين على دوام الاقتراب منه حتى يهتدوا بهداه، ويستشفوا بشفائه ... أما أن نقترب منه وليس لنا هدف إلا الثواب، دون الالتفات إلى المعنى المقصود من الخطاب، فمما لا شك فيه أننا بذلك التعامل الشكلي سنخسر كثيرًا، ولن يحقق القرآن فينا مقصوده.

ولعل السبب من وراء مطالبة البعض بختمة للتدبر وختمة لإنهاء الورد هو استشعارهم صعوبة التدبر، وعدم القدرة على تجاوز عدة آيات في لقائهم مع القرآن ... فهذه عقبة أخري سيتم تناولها بمشيئة الله في الصفحات القادمة.

[دفع شبهة]

فإن قال قائل: ولكننا قرأنا أن فلانًا من السلف كان يختم القرآن في الليلة الواحدة مرة ومرتين، وفلان كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة، فلماذا لا نفعل مثلهم؟!

هذه الأخبار - لو صحت - فلا يمكن أن نستدل بها على جواز اتخاذ هذه الطريقة كوسيلة نحقق بها مقصود القرآن، قال تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد: ٢٤].

فنصوص القرآن واضحة في أهمية تدبره عند قراءته أو الاستماع إليه ليكون التدبر وسيلة للفهم والتأثر ثم العمل، يقول تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: ٢٩].

ولأن فهم مقصود الخطاب لابد أن يلازم قراءة القرآن، كان توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص بألَّا يختم القرآن في أقل من ثلاث معللًا ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث» (١).

والأمر الآخر أننا في هذه الصفحات نتحدث عن كيفية الانتفاع بالقرآن كهاد إلى الله وإلى صراطه المستقيم وكمصنع للتغيير، ومما لاشك فيه أن تحقيق هذه الأهداف يستلزم القراءة الهادئة المتأنية المسترسلة.

[الوسائل والغايات]

ومما يلحق بهذه العقبة قول البعض: بأن الله عز وجل تعبدنا بالوسائل، ولم يطلب منا النظر للأهداف والمقاصد، فمن يقرأ بألفاظه فقط، دون النظر لمقصد نزوله فسيصل إليه دون تكلف، وكذلك فإنه بمجرد الصوم والامتناع عن الطعام والشراب سيتحقق مقصود الصوم، وكذلك الصلاة وسائر العبادات.

فإن كان الأمر كذلك، وإن مجرد قراءة القرآن بألفاظه فقط دون تدبر سيحقق لصاحبه الهدف الذي نزل لأجله القرآن، فلماذا إذن فُضلت سور عن سور مثل سورة الإخلاص والتي تُعد قراءتها بثلث القرآن ...

هل لألفاظها فقط كان التفضيل، أم بما تحمله من معانٍِ عظيمة؟!! وهل من قرأها بلسانه فقط سيحقق المقصد من تفضيلها؟!

ولو كان الأمر كذلك لاستوى المصلون في درجاتهم عند الله طالما حققوا شروط وواجبات الصلاة بأجسامهم دون قلوبهم.

ألم يقل صلى الله عليه وسلم: «أن الرجل لينصرف وما كُتب له عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» (٢).

وكذلك الدعاء .. فما قيمة رفع اليدين بالدعاء والقلب غافل لاه؟!

يقول صلى الله عليه وسلم: «واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه» (٣).

ويذكرنا القرآن بأهمية تحصيل التقوى في الحج كمقصد أساسي له.


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه أحمد (٤/ ٣٢١، رقم ١٨٩١٤)، وابن حبان (٥/ ٢١٠، رقم ١٨٨٩)، والبيهقى (٢/ ٢٨١، رقم ٣٣٤٢)، وأبو داود (١/ ٢١١، رقم ٧٩٦)، قال الشيخ الألباني: (حسن) انظر حديث رقم: (١٦٢٦) في صحيح الجامع.
(٣) أخرجه الترمذى (٥/ ٥١٧، رقم ٣٤٧٩)، والحاكم (١/ ٦٧٠، رقم ١٨١٧)، وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: (٢٤٥).

<<  <   >  >>