للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول تعالى {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: ٣٧].

وغير ذلك من الأدلة التي تحثنا على تحري الخشوع والتقوى وحضور القلب مع العبادات وإلا ضاع جهد صاحبها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رب قائم حظه من قيامه السهر ورب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش» (١).

ومع هذا كله فخير دليل على عدم صحة هذا القول هو الواقع، فنحن نقرأ القرآن منذ سنوات وسنوات وختمناه مرات ومرات، وكان كل همنا الانتهاء من الورد أو السورة دون الالتفات إلى المعنى ... فماذا غيَّر القرآن فينا؟

ويؤكد على هذا المعنى ابن القيم فيقول رحمه الله:

ولا ريب أن مجرد القيام بأعمال الجوارح من غير حضور ولا مراقبة، وإقبال على الله: قليل المنفعة، دنيا وأخرى .. فإنه - وإن كثر - متعب غير مفيد، فهكذا العمل الخارجي القشوري بمنزلة النخالة كثيرة المنظر قليلة الفائدة. فإن الله لا يكتب للعبد من صلاته إلا ما عقل منها (٢).

ويقول: فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها. وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب. فتكون صورة العمل واحدة. وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض. والرجلان يكون مقامهما في الصف واحدًا وبين صلاتهما كما بين السماء والأرض (٣).

العقبة الثانية

الخوف من تدبر القرآن

ثانية العقبات التي ينبغي أن نجتازها بسلام: (الخوف من تدبر القرآن) فمبدأ الدخول إلى عالم القرآن بتدبره وتفهمه، والعمل بمقتضاه، يُشكِل عقبة عند البعض، ومبعث خوف هؤلاء إما لاستشعارهم عدم أهليتهم لذلك، أو خوفهم من الوقوع تحت طائلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: « .. ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» (٤).

أما شعور البعض بعدم أهليته لتدبر القرآن فهذا من تلبيسات الشيطان ليصرفنا عن مصدر السعادة والهدى، فالقرآن لا يخاطب فئة من الناس، بل هو للرجل والمرأة، والعالم والأمي، والعربي والأعجمي .. إنه خطاب للعامة والخاصة.

قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: ١]. ولو كان هذا الكتاب لا يخاطب إلا العلماء ما طالبنا الله عز وجل بتدبره.

يقول القرطبي في قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢].

يقول: ودلت هذه الآية وقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: ٢٤]، على وجوب التدبر في القرآن ليُعرف معناه. فكان في هذا رد على فساد قول من قال: لا يؤخذ من تفسير إلا ما ثبث عن النبي صلى الله عليه وسلم (٥).

ويؤكد على هذا المعنى ابن هبيرة فيقول: ومن مكائد الشيطان تنفير عباد الله عن تدبر القرآن، لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر، فيقول: هذه مخاطرة، حتى يقول الإنسان: أنا لا أتكلم في القرآن تورعًا (٦).


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٣٧٣، رقم ٨٨٤٣)، والحاكم (١/ ٥٩٦، رقم ١٥٧١)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع حديث رقم: (٣٤٨٨).
(٢) تهذيب مدارج السالكين، ص (١٥٣).
(٣) المصدر السابق، ص (١٨٨).
(٤) أخرجه الترمذى، وقال: حديث حسن (٥/ ١٩٩، رقم ٢٩٥١)، و أحمد (١/ ٣٢٣، رقم ٢٩٧٦) وصححه الشيخ أحمد شاكر.
(٥) الجامع لأحكام القرآن الكريم، (٥/ ١٨٧).
(٦) تدبر القرآن للسنيدي ص (٤٨) نقلًا عن ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب (٣/ ٢٧٣).

<<  <   >  >>