للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هنا نقول إن من تبين له بوضوح الهدف الأساسي من نزول القرآن، ستسهل عليه قراءة القرآن وتدبره، وسيخرج منها بالكثير من جوانب الهداية، أما من لم يتضح له هذا الهدف ولم يستشعر عظيم حاجته إليه فسيصعب عليه التدبر، ولن يستطيع المدوامة عليه لعدم وجود قضية تشغله يعلم أن في القرآن حلها، وحسبنا في ذلك قول ابن تيمية: من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له الحق (١).

العقبة الرابعة

ضرورة ختم القرآن في مدة محددة

البعض منا يظن أن الواجب عليه ختم القرآن في شهر مثلا، وأنه لو تأخر عن ذلك فقد يقع في الإثم والحرج.

نعم ينبغي علينا أن ننشغل بالقرآن، وألا يمر علينا يوم دون القراءة في المصحف، ولكن ليس معنى هذا أن من الواجب ختم القرآن في مدة محددة، فالصحابة مع شدة اعتنائهم بالقرآن وانشغالهم به إلا أنهم كانوا يتفاوتون في مدة ختمه.

أخرج ابن أبي دواد عن مكحول قال: كان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرءون القرآن في سبع وبعضهم في شهر، وبعضهم في شهرين، وبعضهم في أكثر من ذلك (٢).

وليس معنى هذا أننا سنمكث فترات طويلة لنختم القرآن، بل العكس هو المطلوب فعلى قدر انشغالنا بالقرآن والإكثار من تلاوته وتدبره سيكون النفع المتحقق بمشيئة الله، وعلى قدر ما نعطي للقرآن من أوقاتنا وعقولنا وقلوبنا يعطينا من خيره ونوره.

وعندما نعطي للقرآن المساحة الزمنية الكبيرة من يومنا سنتمكن - بعون الله - أن نختمه في أقل من شهر، ولكن دون أن يكون هناك سيف مسلط على رقابنا يدعونا للمسارعة في القرآن كي لا نتجاوز المدة التي حددناها في أذهاننا.

هب أنك في يوم من الأيام استوقفتك آية وأنت تقرأ القرآن، فهزّت مشاعرك، وذقت معها حلاوة الإيمان كلما رددتها، هل تترك هذه اللحظة السعيدة - لحظات الإيمان - خوفا من عدم إنهاء وردك المحدد؟

فإن قال قائل: ولكن وجود حد أقصى لمدة الختم في ذهني يشحذ همتي لمداومة القراءة .. إن كان الأمر كذلك فلا بأس منه شريطة ألا يخل بمقصود القراءة، وألا يكون كذلك على حساب ترديد الآيات والتجاوب معها، والأفضل أن نجعل هذا الأمر من باب الاستئناس وليس من باب الإلزام.

العقبة الخامسة

أمراض القلوب

يظن البعض أن علاج القلب من أمراضه لابد أن يسبق العودة إلى القرآن، فالقلب المريض لا يمكنه الانتفاع الحقيقي بالقرآن - كما يقولون - ويرفع هؤلاء شعار «التخلية قبل التحلية» فإن كان الأمر كذلك فما هو إذن دور القرآن؟

ألم يصفه الله عز وجل بأنه شفاء لما في الصدور؟

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: ٥٧].

فالقرآن نعم الدواء لأمراض القلوب، فقوة نوره تخترق الظلمات فتبددها، وتحرق ما يقابلها من شهوات وشبهات، كما قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: ١٨].


(١) تدبر القرآن للسنيدي ص (١١١، ١١٢)، نقلا عن العقيدة الواسطية ص (١٠٣) شرح هراس.
(٢) الاتقان في علوم القرآن للسيوطي (١/ ١٠٤).

<<  <   >  >>