للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن الله كان معهم {فََلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ

اللهَ رَمَى} [الأنفال:١٧].

فعندما يكون الله مع الفئة المؤمنة فلا قيمة أبدًا لكثرة الكافرين عددًا أو عدة {وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:١٩].

وفي المقابل فإن التاريخ ينبئنا بأنه عندما يُخل المسلمون بالشروط التي يريدها الله منهم ليُنزل عليهم نصره, فإن الهزيمة ستكون حليفهم وإن كانوا أكثر عددًا وعدة من أعدائهم، ولنا في غزوة حنين -عند بدايتها- أكبر مثال على ذلك {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة:٢٥].

بل إنه في إحدى المعارك -معركة العِقَاب (١) - وكانت بين المسلمين في الأندلس في عهد دولة الموحدين، وبين النصارى، فقد بلغ فيها عدد جيش المسلمين - كما تقول بعض الروايات - خمسمائة ألف مقاتل، ومع ذلك فقد هُزموا هزيمة منكرة وذبح منهم عشرات الآلاف، وذلك بسبب اتكالهم على قوتهم، وكثرة خلافاتهم فيما بينهم.

[هل نترك الأسباب المادية؟]

قد يقول قائل: ولكن هل معنى هذا أن نترك الأسباب المادية، ونتجه للأسباب المعنوية التي نعرفها ولا يعرفها غيرنا؟!

لو تركنا الأسباب المادية المتاحة أمامنا لظللنا في أماكننا كما نحن ولن نتقدم قيد أنملة، فكما قيل سابقًا بأن الأسباب المادية المتاحة هي التي تُقيم الستار وتهيئ التربة لنزول القدر الإلهي، أما الأسباب المعنوية فهي التي تستكمل إقامة الستار وتمنحنا مزية التأييد الإلهي دون غيرنا، فالإعداد المادي ضروري - وبالقدر المتاح أمامنا- والإعداد المعنوي لا غنى لنا عنه إن أردنا أن تعود لنا عزتنا ومجدنا السليب، ولم لا وهو الذي يُرجِّح كفتنا على غيرنا، فضلاً عن أنه قبل ذلك هو مهمة وجودنا لتحقيق عبوديتنا لله عز وجل.

إذن فالمقصد من هذا كله هو إعادة ترتيب الأولويات، وعدم مقارنتنا بالغرب، وأن نوقن بأن علاقتنا بالله هي سر تقدمنا، فإن انقطعت، وتخلى الله عنا، صار أعداؤنا أفضل منا وإن فقناهم عددًا وعدة, لأننا حينئذ نكون: مغضوبًا علينا ... ألم يقل سبحانه لبني إسرائيل من قبل {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:٨١]. ولقد هوينا إلى القاع بالفعل, وصرنا تحت أقدام الكفار بسبب غضب الله علينا لأننا خُنَّا أمانته.

[العودة إلى الله هي البداية]

إذن فنقطة البداية التي ينبغي ألا نتخطاها هي العودة إلى الله.

الصلح مع الله، والدخول في دائرة الرضا والمعية والولاية والنصرة الإلهية.

نقطة البداية هي الارتقاء بقيمة الفرد عند الله وهذا لن يأتي إلا من خلال صلاحه على منهاج ربه ومولاه.

صلاح الفرد هو الذي سيؤدي إلى صلاح المجتمع، فصلاح الأمة، ليستبدل الله بغضبه عليها رضاه ويولي عليها خيارها.

عن قتادة قال: قال موسى عليه السلام لربه: يارب أنت في السماء، ونحن في الأرض، فما علامة غضبك من رضاك؟

قال: إذا استعملت عليكم خياركم فهو علامة رضاي، وإذا استعملت عليكم شراركم فهو علامة غضبي عليكم (٢).


(١) جمع عقبة وكانت في سنة ٦٠٩ هـ.
(٢) العقوبات لابن أبي الدنيا, ص (٢٧٨).

<<  <   >  >>