للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اقرأ مثلاً قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة:١٧٨] , وانظر: الاستدراج إلى الطاعة في افتتاح الآية بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" وترقيق العاطفة بين الواترين والموتورين في قوله {أَخِيهِ} وقوله {بِالْمَعْرُوفِ} وقوله {بِإِحْسَانٍ}، والامتنان في قوله تعالى: {تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} والتهديد في ختام الآية.

ثم انظر في أي شأن يتكلم؟ أليس في فريضة مفصلة وفي مسألة دموية؟

وتتبع هذا المعنى في سائر آيات الأحكام حتى أحكام الإيلاء والظهار.

ففي أي كتاب من كتب التشريع تجد مثل هذا الروح؟

بل في أي لسان تجد هذا المزاج العجيب؟ تالله لو أن أحدًا حاول أن يجمع في بيانه بين هذين الطرفين ففرق همه ووزع أجزاء نفسه، لجاء بالأضواء المتنافرة ولخرج بثوب بيانه رقعًا ممزقة (١).

ومن نماذج الخطاب المتكامل التي لا يقدر عليه إلا الله والذي يخاطب العقل والوجدان، ويتعرض لقضية غاية في الحساسية دون جرح مشاعر قارئها ذكرًا كان أو أنثى قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [البقرة:٢٢٣].

* * *


(١) النبأ العظيم لمحمد عبد الله دراز ١٤٣ - ١٤٦ بتصرف.

<<  <   >  >>