للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كيف يمكن للقرآن أن ينهض بالأمة؟

تأكد لدينا أن الأمة بحاجة إلى روح جديدة تُبث في جسدها فتنهض بها وتدفعها للعمل والسعي في مرضاة الله، وتأكد كذلك أن المصدر

الجامع المتفرد لهذه الروح هو القرآن بما يملكه من مواصفات وخصائص لا تتوافر في غيره.

[هجر القرآن]

ومع كون القرآن قادر بإذن الله على إصلاحنا، وسد الفجوة القائمة بين العلم والعمل، وبث الروح في جسد الأمة إلا أننا لا نرى هذا الأثر في واقعنا، رغم مما نراه من اهتمام كبير به من خلال المطابع الكثيرة التي تقوم بطباعته، والإذاعات التي تبثه ليل نهار، وحلقات التحفيظ والتعليم المنتشرة في المساجد والمدارس, إلا أن هذا كله لم يصاحبه تعامل مع القرآن على حقيقته، ولم يصاحبه استشعار لخطورة الدور الذي يستطيع أن يقوم به في قيادة الأمة وتوجيه الحياة، فلقد هُجرت معجزته، وابتعد الناس عن دائرة تأثيره ..

وهذا بلا شك لم يكن وليد اليوم، بل هو حصاد موروثات قديمة من التعامل الخاطئ مع القرآن امتدت لعدة قرون سابقة، ابتعد فيها المسلمون شيئًا فشيئًا عنه وعن دوره في التوجيه والتأثير وقيادة الحياة، فحُصر دوره في كونه مصدرًا للتبرك، والأجر والثواب فقط، وأطلق مصطلح «أهل القرآن» على حفاظ حروفه فقط، وأصبح المقصد من تعلم القرآن وتعليمه هو تعلم أحكام تلاوته ومخارج حروفه والاقتصار على ذلك.

[الصورة الموروثة عن القرآن]

إن أكبر عقبة تواجه الأمة نحو الانتفاع بالقرآن هي تلك الصورة الموروثة عنه، فكما يقول عمر عبيد حسنة في مقدمة كتاب كيف نتعامل مع القرآن:

إن الصورة التي طُبعت في أذهاننا في مراحل الطفولة للقرآن أنه: لا يُستدعى للحضور إلا في حالات الاحتضار والنزع والوفاة، أو عند زيارة المقابر، أو نلجأ لقراءته عند أصحاب الأمراض المستعصية، وهي قراءات لا تتجاوز الشفاة.

فإذا انتقلنا إلى مراكز ودروس تعليم القرآن الكريم، رأينا أن الطريقة التي يُعلَّم بها يصعب معها استحضار واصطحاب التدبر والتذكر والنظر، إن لم يكن مستحيلاً ..

فالجهد كله ينصب إلى ضوابط الشكل من أحكام التجويد ومخارج الحروف، وكأننا نعيش المنهج التربوي والتعليمي المعكوس ... فالإنسان في الدنيا كلها يقرأ ليتعلم، أما نحن فنتعلم لنقرأ! لأن الهم كله ينصرف إلى حسن الأداء ... وقد لا يجد الإنسان أثناء القراءة فرصة للانصراف إلى التدبر والتأمل، وغاية جهده إتقان الشكل، وقد لا يعيب الناس عليه عدم إدراك المعنى قدر عيبهم عدم إتقان اللفظ.

ونحن هنا لا نهوّن من أهمية ضبط الشكل، وحُسن الإخراج، وسلامة المشافهة، ولكننا ندعو إلى إعادة النظر بالطريقة حتى نصل إلى مرحلة التأمل والتفكر والتدبر التي تترافق مع القراءة (١).


(١) كيف نتعامل مع القرآن لمحمد الغزالي , ص (١٧).

<<  <   >  >>