للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجيب عن التساؤل رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ثوبان عنه صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها» فقال قائل: أو قلة نحن يومئذ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن» فقال قائل: وما الوهن؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت» (١).

ألا توافقني - أخي - أن الحديث ينطبق علينا، وأن الله عز وجل قد تركنا لأعدائنا بسبب ما أحدثناه؟

ألا ترى أننا جميعا نتحمل مسئولية ما حدث ويحدث لنا؟

ألم يتمثل فينا قوله صلي الله عليه وسلم «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد: سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (٢).

إذن فلقد سلط الله علينا أعداءنا وجعلهم بمثابة الأداة التي نؤدب بها كنتيجة طبيعية لانحرافنا عن منهجه، وتعلقنا بالدنيا وتنافسنا عليها.

[البداية]

فإن كان هذا هو التشخيص الحقيقي للوضع الحالي الذي تعيشه أمتنا، فإن نقطة البداية التي ينبغي أن نبدأ بها تنطلق من تغيير كل الأوضاع التي تغضب الله عز وجل كما فعل قوم يونس عليه السلام: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس: ٩٨].

ولنعلم جميعا أنه مهما حدث للأمة من ذل وهوان أكثر مما يحدث الآن، ومهما اشتد الظلام فلن يغير الله ما حاق بنا إلا إذا بدأنا نحن بتغيير ما بأنفسنا .. ألم يقل سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] لا بديل - إذن - عن نصرته - سبحانه - على أهوائنا وشهواتنا إن أردنا نصرته لنا {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: ٧].

لا مناص أمامنا من طرد الدنيا من قلوبنا، وأن يكون الله ورسوله أحب إلينا من زوجاتنا وأبنائنا وآبائنا وأمهاتنا وأموالنا وعقاراتنا وإلا فستستمر العقوبة.

{قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: ٢٤].

لا بديل إذن عن هجر المعاصي، والمسارعة في الخيرات والتنافس في أعمال الآخرة.

لا بديل عن الفرار إلى الله والعمل على استرضائه.

لا بديل على أن نكون من أوتاد المساجد، وفي الصفوف الأولي في الصلاة.

لا بديل على أن نكون مستيقظين في ثلث الليل الأخير صافين أقدامنا في محاريب الصلاة نبكي ونتذلل لله عز وجل .. نسترضيه، ونستعطفه ونطلب منه المغفرة والفرج والنصر.

الجسد الواحد:

واعلم يا أخي بأن كونك لا تفعل ما يغضب الله، فإن ذلك لا يعفيك من المسئولية، فأمتنا كالجسد الواحد إذا مرض منه عضو أصبح كله مريضاً، فلا يكفي صلاحك الفردي، بل لابد وأن يصاحب ذلك صلاح الأمة.

معني ذلك أن عليك إيقاظ النائمين، وإعادة الشاردين إلى الله.


(١) أخرجه أبو داود والبيهقي في «شعب الإيمان» وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم ٤٢٩٧.
(٢) أخرجه أبو داود (٣/ ٢٧٤، رقم ٣٤٦٢)، والبيهقي (٥/ ٣١٦، رقم ١٠٤٨٤)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٤٢٣.

<<  <   >  >>