للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و مما يثير العجب أن هناك العديد من الآيات والأحاديث التي تتحدث عن تدبر القرآن لتحصيل العلم والهداية والشفاء، وتذم من يقرؤه بلا فهم أو تدبر كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: من الآية ٢٩]، وقوله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: ٢٤]، وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان:٧٣].

وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وهو يوضح له سبب نهيه لقراءة القرآن في أقل من ثلاثة أيام: «لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث» (١).

ورأى صلى الله عليه وسلم يومًا بعض الصحابة يقرءون القرآن فقال لهم: «الحمد لله .. كتاب الله واحد، وفيكم الأخيار، وفيكم الأحمر والأسود .. اقرءوا القرآن، اقرءوا قبل أن يأتي أقوام يقرءونه، يقيمون حروفه كما يقام السهم لا يجاوز تراقيهم، يتعجلون أجره ولا يتأجلونه» (٢).

ومن أقواله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يَدْرِ ما يقول فلينصرف، فليضطجع» (٣).

وعندما نزلت آيات سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: ١٩٠] قال صلى الله عليه وسلم: «ويل لمَن قرأ هذه الآيات ثم لم يتفكر بها» (٤).

وتأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم: «ستكون في أمتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون القول ويسيئون الفعل، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيَهم» (٥).

وأقوال الصحابة في ضرورة تدبر القرآن كثيرة، منها قول عبد الله بن مسعود: «لا تهُذُّوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، وقفوا عند عجائبه، وحرِّكوا به القلوب، ولا يكن همُّ أحدكم من السورة آخرها».

وقول علي بن أبي طالب: «لا خير في قراءة ليس فيها تدبر»، وقول الحسن بن علي: «اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه».

وقال رجل لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: «لأن اقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحبُّ إليَّ من أن أقرأ كما تقول» (٦).

و هذه السيدة عائشة رضي الله عنها تسمع رجلًا يقرأ القرآن قراءة سريعة، فقالت: ما قرأ هذا وما سكت (٧).

إذن فالنصوص التي تؤكد ضرورة تدبر القرآن وتفهمه وترتيله كثيرة، فلماذا لا يتم التركيز إلا على الأحاديث التي تسرد الثواب المترتب على القراءة فقط دون غيرها؟!

لا شك أن من أهداف تلاوة القرآن تحصيل الأجر، ولكن من خلال القراءة المتدبرة التي تزيد الإيمان وتُذكِّر القارئ بما ينبغي عليه فعله أو تركه فيصير القرآن حجة له لا عليه.


(١) أخرجه الإمام أحمد (٢/ ١٦٥ و ١٨٩)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (١١٥٧).
(٢) أخرجه أبو داود (١/ ٢٢٠، رقم ٨٣١)، وابن حبان (٣/ ٣٦، رقم ٧٦٠)، والطبراني (٦/ ٢٠٧، رقم ٦٠٢٤)، والبيهقي في شعب الإيمان (٢/ ٥٣٩، رقم ٢٦٤٥).
(٣) أخرجه مسلم (١/ ٥٤٣، رقم ٧٨٧).
(٤) حديث صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه (٢/ ٣٨٦، برقم ٦٢٠)، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (٦٨).
(٥) أخرجه أحمد (٣/ ١٩٧، رقم ١٣٠٥٩)، وأبو داود (٤/ ٢٤٣، رقم ٤٧٦٦)، وابن ماجه (١/ ٦٢، رقم ١٧٥)، وصححه الألباني في صحيح ظلال الجنة (٩٤٠).
(٦) فضائل القرآن لأبي عبيد الهروي.
(٧) الزهد لابن المبارك (١١٩٧).

<<  <   >  >>