للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[لماذا أنزل الله القرآن؟!]

إذن فقد أنزل الله عز وجل القرآن ليكون وسيلة يهتدي الناس من خلالها إلى طريقه، وإلى جنته {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا - فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء: ١٧٤، ١٧٥].

فمن يقرأ القرآن يتأكد لديه بالأدلة العقلية أن للكون إلهًا واحدًا، وأن هذا الإله هو الله سبحانه، وأنه خلقنا وأسكننا الأرض ليختبرنا، وأن هناك حياة بعد الموت ثم حسابًا، فنعيمًا أو عذابًا.

ولا يكتفي القرآن بذلك بل يرسم للناس الطريق المستقيم الموصل للنجاح في هذا الاختبار، ونيل رضا الله، ويعرَّفهم بالعقبات التي قد تعترضهم، وبالمنحنيات التي قد تُبعدهم، وبعَدُوَّهم الذي يتربص بهم ..

كل هذا من خلال خطاب ودود يقطر رحمة وشفقة وحنانا .. خطاب يستحث الجميع إلى سرعة العودة إلى الله قبل فوات الأوان: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ} [الشورى: ٤٧]. {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].

إنه الحبل المتين الذي أنزله الله من السماء لينتشل به الناس من الضلال ..

إنه حبل الودّ الذي يظهر مدى حب الله لعباده، وأنه يريد لهم جميعًا الخير.

ألم يقل صلى الله عليه وسلم: «أبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفهُ بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تهلكوا، ولن تضلوا بعده أبدًا» (١).

[المعرفة وحدها لا تكفى]

فإن قلت إن معرفة طريق الهدى وحدها لا تكفي للسير فيه، فقيود الشهوات تقيد القلب، وتجذبه إلى الأرض، ووساوس الشيطان وإغراءاته تثبط الإنسان كلما همَّ بفعل الخير.

نعم، هذا صحيح فمعرفة طريق الهدى وحدها لا تكفي بل لابد من وسيلة تعين الناس على السير فيه .. لابد من دواء يشفي صدورهم، ويُخلِّص قلوبهم من سيطرة الهوى وحب الدنيا والتثاقل إلى الأرض، لابد من وجود مادة تفجر الطاقات وتولد القوة الدافعة داخل الإنسان للسير في طرق الهداية .. وهنا يظهر أعظم جانب لمعجزة القرآن ألا وهو قدرته الفذة على التغيير والتقويم لكل من يُقبل عليه، ويدخل في دائرة تأثير معجزته وذلك من خلال قوة تأثيره على المشاعر، فيمتزج بها مدلول القناعات العقلية التي تقدمها الآيات فتصبح إيمانا يستقر في القلب، ليتم ترجمة هذا الإيمان بعد ذلك في صورة عمل وسلوك.

فالقرآن ليس وسيلة للهداية فقط بل هو {هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: ٤٤].

يدل الناس على الطريق إلى الله، ويأخذ بأيديهم إليه، ويكون لهم في ذلك الطريق نعم الصاحب الأمين {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ - يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: ١٥، ١٦].

أرأيت ماوصف الله به القرآن وأنه ليس بكتاب هداية فقط بل إنه أيضًا يقوم بإخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله؟!


(١) صحيح، رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح (٣٤).

<<  <   >  >>