للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«قرأت القرآن فأذهلني، وتعمقت فيه ففتنني، ثم أعدت القراءة فآمنت .. وكيف لا أؤمن ومعجزة القرآن بين يدي أنظرها وأحسها كل حين، هي معجزة لا كبقية المعجزات .. معجزة إلهية خالدة تدل بنفسها عن نفسها، وليست بحاجة لمن يحدث عنها أو يبشر بها» (١).

[أجيبوا داعي الله]

ومن مظاهر تأثير القرآن، والتي حدثتنا عنها الآيات، ما حدث لمجموعة من الجن حينما استمعوا إلى آيات من القرآن فكان أول رد فعل لهم أن قال بعضهم لبعض:

(أنصتوا) ولم يقولوا (اسمعوا) فقد أدهشهم الخطاب، وسيطر عليهم، فتأثروا به تأثرًا بالغًا، وكانت النتيجة السريعة لهذا التأثر هو الرغبة الجارفة بتبليغ ما فهموه من فحوى الخطاب القرآني لقومهم {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنْذِرِينَ - قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ - يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: ٢٩ - ٣١].

فالآيات كما يقول -سيد قطب- تصور الأثر الذي انطبع في قلوبهم من الإنصات للقرآن، فقد استمعوه صامتين منتبهين حتى النهاية. فلما انتهت التلاوة لم يلبثوا أن سارعوا إلى قومهم، وقد حملت نفوسهم ومشاعرهم منه ما لا تطيق السكوت عليه، أو التلكؤ في إبلاغه والإنذار به. وهي حالة من امتلأ حسه بشيء جديد، وحفلت مشاعره بمؤثر قاهر غلاب، يدفعه دفعا إلى الحركة والاحتفاء بشأنه وإبلاغه للآخرين بجد واهتمام (٢).

[تأثير القرآن على مشركي مكة]

تروى لنا كتب السيرة: أن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل - عمرو بن هشام - والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل منهم مجلسا يستمع فيه، وكل لا يعرف بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا قائلين: فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية، عاد كل رجل إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثالثة، أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا» (٣).

فما الذي دفعهم لذلك؟!

إنه التأثير القوي للقرآن على قلوبهم، والذي لم يجعلهم يستطيعون (السيطرة على أنفسهم التواقة للاستماع إليه، فعادوا رغم تعاهدهم على عدم العودة إلى سماعه) (٤).

ولهذا خشوا من هذا التأثير على عبيدهم وسائر الناس «فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا».

[الوليد بن المغيرة]

سمع الوليد بن المغيرة شيئًا من القرآن فكأنما رق له فقالت قريش: صبأ والله الوليد، ولتصبون قريش كلها.

فأوفدوا إليه أبا جهل يثير كبرياءه واعتزازه بنسبه وماله ويطلب منه أن يقول في القرآن قولاً يعلم به قومه أنه له كاره.


(١) نظرية الإعجاز القرآني/ ١١٠ د. أحمد سيد محمد عمار.
(٢) في ظلال القرآن ٦/ ٣٢٧٣.
(٣) السيرة النبوية لابن هشام ١/ ١٩٢، ١٩٣.
(٤) التعبير القرآني /١١٤.

<<  <   >  >>