للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحرص على التلاوة اليومية]

وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على قراءة القرآن كل يوم، وكيف لا وقد أمره الله بذلك {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ - وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل:٩١، ٩٢].

ولما جاء وفد ثقيف إلى المدينة أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة بين المسجد وبين أهله، فكان يأتيهم ويُحدِّثهم بعد العشاء، وفي ليلة من الليالي تأخر عليهم ثم أتاهم فقالوا له: يا رسول الله لبثت عنا الليلة أكثر مما كنت تلبث؛ فقال: «نعم، طرأ علىَّ حِزْبي من القرآن، فكرهت أن أخرج من المسجد حتى أقضيه» (١).

ومع ذلك فلم يُؤثّر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ القرآن كله في ليلة واحدة.

تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: لا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن في ليلة، ولا قام ليلة حتى أصبح (٢).

ومما يؤكد هذا المعنى ما رواه الإمام مسلم أن رجلا جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فقال: إني لأقرأ المُفصَّل (٣) في ركعة. فقال عبد الله: هذًّا (٤) كهذَّ الشعر؟ إن أقواما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم. ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه، نفع ..

ثم قال: إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، سورتين في كل ركعة .. فسُئل عنها فقال: عشرون سورة من المفصل، وفي رواية: ثمانية عشر، وسورتين من آل حم (٥).

قال القاضي عياض .. إن هذا كان قدر قراءته غالبًا، وأن تطويله الوارد إنما كان في التدبر والترتيل، وما ورد من غير ذلك في قراءته البقرة والنساء وآل عمران كان في نادر من الأوقات (٦).

[دعوته صلى الله عليه وسلم للناس بالقرآن]

ومن مظاهر تأثر الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وإدراكه لأهميته وأثره العظيم في النفوس، أنه كان يدعو الناس به أكثر ما كان يدعوهم بكلامه هو، وقصته مع عتبة بن ربيعة - أحد أئمة الكفر في مكة - مشهورة، وقد مرت علينا.

وكان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس في موسم الحج - قبل الهجرة- فيقول لهم: «هل من رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشًا منعوني أن أبلغ كلام ربي» (٧).

وكان يقول لأصحابه: «بلِّغوا عني ولو آية» (٨).

وكان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يخطب الجمعة بالقرآن (٩)، وهو من هو في البلاغة، ويكفي أنه قد أوتى جوامع الكلم.

روى مسلم عن أم هشام بنت حارثة قالت: ما أخذت (ق والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس (١٠).


(١) رواه أبو داود (١٣٩٣)، وابن ماجه (١٣٤٥) وأحمد في المسند (٣٤٣).
(٢) أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل (المختصر) ص١٥٤.
(٣) المفصل: هي السور الغير طويلة وتبدأ من سورة الحجرات أو سورة ق حتى سورة الناس.
(٤) الهذَّ: شدة الإسراع، والإفراط في العجلة.
(٥) رواه مسلم (١٩٠٥، ١٩٠٦، ١٩٠٨).
(٦) صحيح مسلم بشرح النووي ٦/ ٣٤٦، وقال النووي: وقد جاء بيان هذه السور العشرين في رواية في سنن أبي داود: الرحمن والنجم في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة. والطور والذاريات في ركعة. والواقعة ونون في ركعة، وسأل سائل، والنازعات في ركعة. وويل للمطففين، وعبس في ركعة، والمدثر، والمزمل في ركعة، وهل أتى، ولا أقسم في ركعة، وعم والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة.
(٧) أخرجه أبو داود (٤٧٣٤)، والترمذي (٢٩٢٥).
(٨) صحيح الجامع الصغير (٢٨٣٧).
(٩) زاد المعاد لابن القيم ١/ ١٨٧.
(١٠) صحيح مسلم (٨٧٣).

<<  <   >  >>