للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال على بن أبي طالب: ألا أنبئكم بالفقيه حق الفقيه، من لم يُقَنِّط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معصية الله، ولم يُؤَمَّنهم مكر الله، ولم يترك القرآن إلى غيره ..

ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه، ولا خير في فقه ليس فيه تفهم، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبر (١).

وكان عبد الله بن مسعود يقول: أُنزل القرآن ليعملوا به فاتخذوا دراسته عملا، إن أحدهم ليتلو القرآن من فاتحته إلى خاتمته ما يُسقط منه حرفا وقد أسقط العمل به (٢).

وقال أبو الدرداء:

إياكم والهذاذين، الذين يهذون القرآن، يسرعون بقراءته، فإنما مثل أولئك كمثل الكُنة: لا أمسكت ماء، ولا أنبتت كلأ (٣).

والكنة هي الظلة التي تكون فوق الدار.

وهذا خباب بن الأرت يقول لجار له: يا هناه! تقرب إلى الله ما استطعت، فإنك لن تقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه (٤).

وجاء رجل إلى أبي الدرداء فقال له: إن إخوانًا لك من أهل الكوفة يقرئونك السلام، ويأمرونك أن توصيهم. فقال: أقرئهم السلام ومُرهم فليعطوا القرآن بخزائمهم فإنه يحملهم على القصد والسهولة ويجنبهم الجور والحزونة (٥).

والخزائم جمع خزامة وهي حلقة توضع في أنف البعير ليشد بها الزمام، والمراد: استسلم للقرآن، وأعطه زمامك، واتركه يقودك، وسر وراءه تابعًا مطيعًا.

ومن وصايا عبد الله بن عمرو بن العاص: عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم، فإنكم عنه تُسألون، وبه تجزون، وكفى به واعظًا لمن عقل (٦).

وكان أبو أمامة الباهلي يقول: اقرأوا القرآن، ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة، فإن الله لا يعذب قلبا وعى القرآن (٧).

ومن أقوال عبد الله بن مسعود: من قرأ في ليلة أكثر من ثلث القرآن فهو راجز، ومن قرأ القرآن في أقل من ثلاث فهو راجز (٨).

وعن أبي حمزة قال: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة، فأدبرها وأرتلها، أحب إلىَّ من أن أقرأ كما تقول (٩).

وقال أبو موسى الأشعري لقراء البصرة: اتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد، فتقسو قلوبكم، كما قست قلوب من كان قبلكم. (١٠)

[تحذيرات الصحابة من رفع القرآن]

كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يحذرون من بعدهم، ويخوفونهم من زمن يُرفع فيه القرآن، فعن شدَّاد بن معقل عن عبد الله بن مسعود قال: إن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وإن آخر ما يبقى منها الصلاة، وليصلين أقوام لا دين لهم، و إن هذا القرآن الذي بين ظهرانيكم سينُتزع منكم، قال: قلت: كيف ينتزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا، وأثبتناه في مصاحفنا؟ فقال: يسرى عليه في ليلة واحدة، فينتزع ما في القلوب، ويذهب ما في المصاحف، ثم قرأ عبد الله {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: ٨٦] (١١).

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث نزل، له دوىٌّ كدوى النحل، فيقول الرب: مالك؟ فيقول: يا رب أُتلى ولا يعمل بي، أُتلى ولا يُعمل بي، ثلاث مرات.


(١) مختصر قيام الليل ص ١٤٨.
(٢) إحياء علوم الدين ١/ ٤٢٦.
(٣) مختصر قيام الليل ص ١٣٥.
(٤) فضائل القرآن لأبي عبيد ص ٧٧.
(٥) المصدر السابق ص ٧٢.
(٦) المصدر السابق ص ٧١.
(٧) سنن الدارمي (٣٣٢٠).
(٨) لمحات الأنوار ٣/ ١٢٠٢، ومعنى راجز: أي يقرؤه كقراءة الشعر بالسجع والرجز فتتوالى فيه الحركة والسكون حتى تنتهي أجزاؤه.
(٩) المرشد الوجيز ص ١٩٧.
(١٠) أخرجه مسلم. .
(١١) رواه عبد الرزاق ٣/ ٣٦٣، وابن أبي شيبة ٧/ ٢٥٦، ٥٠٥، والحاكم ٤/ ٥٤٩، والبيهقي في السنن ٦/ ٢٨٩.

<<  <   >  >>