للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤكد على هذا المعنى ابن القيم بقوله:

إن الشيطان يُجْلِب على قارئه بخيله ورَجْله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد به المتكلم -سبحانه- فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأُمر عند الشروع أن يستعيذ بالله منه (١).

ولعلنا بذلك نُدرك سر شكوى الكثيرين من أنهم حين يشرعون في قراءة القرآن يفاجأون بخواطر وأفكار لم تكن تأتيهم من قبل، فيشرد ذهنهم معها، ويستَغرقون فيها استغراقًا تامًا.

ونُدرك كذلك سر شكوى البعض من أن الرغبة في النوم تسيطر عليه، بل ويغلبه النعاس كلما شرع في قراءة القرآن.

* * *

سابعًا: مفاهيم وممارسات ساهمت في عدم الانتفاع بالقرآن

كان للأسباب السابق ذكرها دور كبير في انزواء قيمة القرآن في الأذهان، وضعف الثقة فيه، وقصر دوره على التبرك وافتتاح الحفلات والمناسبات، والقراءة في المآتم، وغير ذلك من صور الاهتمام الشكلي بالقرآن.

فعندما يغيب الهدف من نزول القرآن ..

وعندما تتوارث الأجيال المتتابعة التقديس الشكلي للقرآن ..

وعندما لا يرى الناس أثرًا إيجابيًا في سلوك غالبية المنشغلين بالقرآن.

وعندما تكون معركة الشيطان الأولى مع المسلمين هي إبعادهم عن الانتفاع بالقرآن ..

فماذا ننتظر أن تكون ثمرة هذا كله؟!

للأسف ثمار كثيرة ولكنها مريرة ..

فقد غاب القرآن عن قيادة الحياة ..

ولم تقر الأعين بظهور الجيل القرآني الرباني ..

وأصبحت الأمة في الأذلين ..

هذا بصفة عامة.

أما على مستوى الأفراد فقد أثمرت هذه الأمور العديد من المفاهيم والممارسات التي أدت إلى إضعاف قيمة القرآن الحقيقية في النفوس أكثر وأكثر.

هذه المفاهيم والممارسات - التي تحتاج إلى تصحيح - ما كانت لتظهر بهذا الشكل لو تم التعامل مع القرآن على أنه قد نزل من السماء لمهمة عظيمة ألا وهي هدايتنا إلى الله، والأخذ بنا إلى صراطه المستقيم.

فعندما نُسى الهدف، تم التعامل مع الوسائل المعينة على الوصول إليه على أنها أهداف في ذاتها.

ولقد تم الحديث - بفضل الله - عن بعض هذه المفاهيم والممارسات في كتاب (العودة إلى القرآن لماذا وكيف؟) فصل: عقبات في طريق العودة، وكتاب (إنه القرآن سر نهضتنا) فصل: تساؤلات وردود.

وفي هذه الأسطر نستكمل - بعون الله - طرح تلك المفاهيم والممارسات.

[الخوف من تدبر القرآن واللقاء المباشر به]

الله عز وجل أنزل القرآن لهدايتنا جميعًا {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: ١٨٥].

أنزله سبحانه لهدايتنا وهو يعلم حالنا وكل صور الضعف لدينا {قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الفرقان: ٦].

ولقد طالبنا سبحانه بتدبر القرآن لنصل إلى هدايته {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} [ص: ٢٩].

نعم، التدبر المطلوب على حسب الطاقة، والحد الأدنى لطاقة أي عاقل يُمكِّنه من بلوغ الهداية.

ولكن البعض تخوف من التدبر، وألزم نفسه بأنه إذا أراد أن يفهم ما يقرأ فلا بد وأن يكون بينه وبين القرآن كتاب تفسير لتوضيح معنى كل كلمة يقرؤها، وكل آية يتلوها.

ويعتبر الإمام ابن تيمية أن هذا التخوف من أهم الأسباب التي حالت بين الناس وبين فهم القرآن (٢).


(١) إغاثة اللهفان ١/ ١٤٩.
(٢) قاعدة في فضائل القرآن لابن تيمية ص ٦٧.

<<  <   >  >>