للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هنا نقول بأن نقطة البداية الصحيحة للانتفاع بالقرآن هي العمل على زيادة الإيمان به في القلوب. كما يقول الإمام البخاري: لا يجد طعمه إلا من آمن به.

فكلما ازداد الإيمان: ازداد التلهف للإقبال عليه، والاستسلام له، والانجذاب نحوه، والانشغال به.

فكيف لنا أن نترجم هذا الكلام النظري إلى واقع عملي، ليحدث الوصال بين القلب والقرآن؟!

هناك ثلاثة محاور ينبغي أن نسير فيها مجتمعه حتى يتحقق لنا - بمشيئة الله - الهدف الذي نصبو إليه.

هذه المحاور هي:

أولاً: تقوية الرغبة والدافع للانتفاع الحقيقي بالقرآن.

ثانيًا: صدق اللجوء إلى الله والإلحاح عليه لتيسير انتفاعنا بالقرآن.

ثالثًا: الإقبال على القرآن، والإكثار من تلاوته، واتخاذ الأسباب والوسائل المعينة على تدبره والتأثر به.

وإليك أخي القارئ بعضًا من التفصيل حول هذه المحاور الثلاثة:

[أولا: تقوية الرغبة والدافع للانتفاع الحقيقى بالقرآن]

الخطوة الأولى في طريق العودة إلى القرآن، وتوجيه القلب نحو أنواره -كما أسلفنا- هي زيادة الثقة فيه، والتعرف على قيمته الحقيقية، وكيف أنه قادر -بإذن الله- على إحياء قلوبنا وتغيير ما بأنفسنا، والتعرف كذلك على العقبات التي تواجهنا في طريق العودة إليه وكيفية اجتيازها، مع تصحيح المفاهيم الخاطئة التي رسخت في الأذهان عن كيفية التعامل معه .. وكلما ازدادت الثقة في القرآن قويت الرغبة، واشتدت الحاجة، وتولد الدافع القوي للإقبال الصحيح عليه.

يقول سيد قطب: الناس قلما ينقصهم العلم بالحق والباطل، وبالهدى والضلال .. إن الحق بطبيعته من الوضوح والظهور بحيث لا يحتاج إلى بيان طويل ..

إنما تنقص الناس الرغبة في الحق (١).

ويقول السعدي في قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} [يوسف: ٧]: آيات لكل من سأل عنها بلسان الحال أو بلسان المقال، فإن السائلين هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر، وأما المعرضون فلا ينتفعون بالآيات (٢).

فالرغبة في الشيء تولد الشعور بالاحتياج إليه، ومن ثمَّ الانتفاع به.

وإليك أخي القارئ كلمات لأبي الحسن الندوي -رحمه الله- تؤكد هذا المعنى يقول فيها:

إن من الشروط الأولية الأساسية للاستفادة من القرآن الكريم والانتفاع به، هو وجود الرغبة إليه، وطلب الاستفادة منه، فمن لم تتحقق عنده الرغبة والطلب ماذا يكون تأثير القرآن فيه؟

إن من سنة الله - تعالى - ونواميسه أنه لا يعطي إلا بالرغبة والسؤال، وللرغبة والسؤال عنده قيمة كبيرة، فالقلق على الوضع الراهن، وعدم الاقتناع به، والجهد للإصلاح والتغيير، والبحث عن الطريق هو أول خطوة عنده في سبيل السعادة (٣).

ولعل ما قيل في الصفحات السابقة يستثير لدينا مشاعر الرغبة والاحتياج إلى جوهر القرآن .. لكن هذه الاستثارة لا تكفي لتوليد الدافع القوي للإقبال الصحيح عليه، ومن ثمَّ فمن المتوقع أن تضعف فينا هذه الاستثارة الوقتية شيئًا فشيئًا، ونعود لسابق عهدنا من التعامل الشكلي مع القرآن.

لذلك فإن الخطوة الأولى والأساسية في طريق العودة إلى القرآن هي ترسيخ وتعميق الشعور بالرغبة الأكيدة والاحتياج الحقيقي إليه، وهذا يستلزم منا القراءة في بعض الكتب التي تناولت هذا الموضوع والإكثار منها في البداية؛ لتقوم بتغذية وتقوية مشاعر الرغبة وتأججها لينتج عنها دافع قوي ومستمر للإقبال الصحيح على القرآن.

والكتب التي تحدثت عن القرآن كثيرة نرشح لك منها - أخي - تلك التي أبرزت قيمة القرآن، وكيفية التعامل الصحيح معه، فمن هذه الكتب:


(١) في ظلال القرآن ١/ ٤٨٠.
(٢) تيسير الكريم الرحمن ص ٣٩٤.
(٣) المدخل إلى الدراسات القرآنية الندوي ص ٩٣.

<<  <   >  >>