للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ابن القيم: ولا ريب أن مجرد القيام بأعمال الجوارح، من غير حضور ولا مراقبة، ولا إقبال على الله: قليل المنفعة، دنيا وأخرى، كثيرة المؤونة .. فهكذا العمل الخارجي القشوري بمنزلة النخالة، كثيرة المنظر قليلة الفائدة (١).

ويقول الإمام البنا رحمه الله: وعمل القلب مقدم على عمل الجارحة وتحقيق الكمال في كليهما مطلوب وإن اختلفت مرتبتا الطلب (٢).

[النسبة بين الشكل والمضمون]

إذا كان الشكل مهما وضروريا للدخول على الله عز وجل إلا أن الأهم والأهم هو مدى إظهاره معانى العبودية والتي من أجلها خُلق الإنسان.

ومما يؤكد ذلك أن الله عز وجل قد بيَّن لنا في كتابه أن المقصود الأعظم من العبادة هو زيادة عبودية القلب له سبحانه، تأمل معي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:٢١]، وقوله: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧].

فإراقة الدماء في الحج ليست غاية في حد ذاتها بل هي شكل من أشكال العبادة التي ينبغي أن تظهر من خلالها تقوانا لله عز وجل ... فما قيمة إراقتها دون أن يصاحبها زيادة في التقوى؟!

وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إنما الصلاة تَمسكُن وتواضع وتضرع وتَأوُه وتنادُم وتضع يديك فتقول: اللهم اللهم. فمن لم يفعل فهي خداج" (٣).

لابد إذن من أن يوضع الشكل - مع أهميته القصوى - في حجمه الصحيح، فوظيفته الأساسية إظهار العبودية وزيادتها في قلب العبد ..

فإن كنت في شك من هذا فتدبر معي قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:١٧٧].

فهذه الآية الجامعة قد نزلت بعد تحويل القبلة تجاه الكعبة، وما صاحب ذلك من جدل طويل من اليهود وغيرهم .. نزلت هذه الآية لتضع الأمر في حجمه الصحيح عند المسلم، وأن المقصد الأهم من العبادات هو الإيمان الذي يزيد في القلب فينعكس أثره على الأعمال.


(١) تهذيب مدارج السالكين، ص (١٥٣).
(٢) رسالة التعاليم، من مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا - دار التوزيع والنشر الإسلامية.
(٣) أخرجه الترمذي والنسائي بنحوه من حديث الفضل بن عباس بإسناد مضطرب. وخداج أي ناقصة.

<<  <   >  >>