للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإليك أخي القارئ بعضا من التفصيل حول هذه الوسائل - والتي تحدثنا عنها بإجمال في الأسطر السابقة - مع ذكر أمثلة تؤكدها من السنة المطهرة وفعل الصحابة رضوان الله عليهم.

أولاً: الانشغال بالقرآن وتلاوته كل يوم:

فمن البديهي أننا ما دمنا نحتاج إلى معرفة الله عز وجل، ودوام ربط أحداث الحياة به، والتجلبب الدائم بجلباب العبودية، فهذا يستدعي تلاوة القرآن كل يوم، وبقدر مناسب، وكلما أعطينا للقرآن وقتاً أطول من يومنا كان المردود أكثر إيجابية بمشيئة الله، وفي المقابل عندما لا نداوم على قراءته كل يوم فسيصعب علينا الانتفاع بما فيه ... قال صلى الله عليه وسلم: " تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده، لهو أشد تفصياً من قلوب الرجال من الإبل في عُقلها" (١).

فلكي يسهل على اللسان قراءته، وعلى العقل فهمه، وعلى القلب التأثر به لابد من مداومة تلاوته وعدم جفائه ولو يوما .. قال صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه" (٢).

عن الحسن البصري قال: قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف، وما مات عثمان رضي الله عنه حتى خُرق مصحفه من كثرة ما كان يديم النظر فيه (٣).

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا دخل البيت نشر المصحف فقرأ فيه (٤).

[ثانيا: التهيئة الذهنية]

والمقصد منها تهيئة الذهن لفهم القرآن وعدم الشرود أو التيه في أودية الدنيا، وهذا يستدعي منا أن نقرأ القرآن في مكان هادئ قدر المستطاع دون وجود ما يشوش علينا صفاء أذهاننا، ومما يؤكد ذلك المعنى ما رواه أبو داود بسند صحيح عن أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: " ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ".

وجاء ذكر ذلك أيضا في الأمر بالإنصات وليس بالسكوت عند سماع القرآن لأن الفرق بينهما كبير: {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:٢٠٤] وقد فهمت الجن ذلك فنصح بعضهم بعضاً ليس فقط بالسماع ولا بالسكوت ولكن: {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف:٢٩].

ثالثاً: التهيئة القلبية:

وهذه الوسيلة من أهم الوسائل التي تُسرع بنا الخطى نحو الانتفاع بالقرآن والتأثر به، وكيف لا وقد قال تعالى: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:١٠].

وقال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:٤٥].

والمقصد منها تهيئة المشاعر لسرعة الاستثارة والتجاوب مع الآيات، ويمكن أن يتم ذلك من خلال القراءة بتباكي وتحزن وتخشع (أي تكلف ذلك) قال صلى الله عليه وسلم: "اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا" (٥).

وقال: " أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله " (٦).

وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ينصحنا قائلاً:

"اقرؤوا القرآن وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة" (٧).

ومما لاشك فيه أن المداومة على القراءة بتباك وتحَزُّن لها دور كبير في تحريك القلب وتأثره بالقرآن.


(١) متفق عليه.
(٢) صحيح الجامع (١١٦٨).
(٣) حياة الصحابة (٣:١٦٨).
(٤) المصدر السابق.
(٥) رواه ابن ماجه (١٣٣٧) وسنده جيد كما ذكر العراقي في تخريج الإحياء.
(٦) رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان "، والطبراني في " المعجم الكبير " وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (١٩٤).
(٧) شعب الإيمان للبيهقي (٢٠٤٢).

<<  <   >  >>