للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخي في الله ..

ليكن كل منا حريصًا على وقت الآخر، فالوقت هو الحياة، وهو رأس مال الإنسان الحقيقي، المحاسب عنه يوم القيامة.

يذكرنا بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ " (١).

ويقول ابن مسعود: ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.

فليحرص كل منا على وقته ووقت إخوانه، فالواجبات أكثر من الأوقات، وطريق الجنة طويل يحتاج إلى بذل وعطاء بالليل والنهار {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين/٢٦]، فإذا زار إخوانه فليحافظ على آداب الزيارة، فلا سمر بعد العشاء، ولا ينسى أن هناك قيام ليل واستغفارًا بالأسحار وصلاة فجر، فلا يحرم نفسه ولا إخوانه من فضل هذه الأوقات.

ومما لا شك فيه أن كل منا يحب أن يرى أخاه ويجلس معه في كل وقت، فلقاؤه أحب لقاء إليه، ولكن إن لم تكن هذه اللقاءات لزيادة الإيمان والتذكير بشعبه، فلابد أن نُنهي أنفسنا عنها ونجاهدها في ذلك.

بل إذا رأى أحدنا من الآخر عدم حرصه على وقته ذكَّره بقيمة الوقت وخطورة إنفاقه فيما لا يفيد.

****

أخي في الله ..

إن كنت حريصًا عليَّ وتريد ليَ الخير - وأنا لا أشُك في ذلك - فلا تمدحني في وجهي، فما من شيء أضر على الإنسان من المدح، ويكفي في بيان خطورة المدح في الوجه ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي مدح رجلا عنده فقال له: " ويحك، قطعت عنق صاحبك، لو سمعها ما أفلح ". ثم قال: " إن كان أحدكم لابد مادحًا أخاه فليقل: أحسب فلانًا ولا أُزكي على الله أحدًا، حسيبه الله، إن كان يرى أنه كذلك " (٢).

المدح يجعل الإنسان ينتشي ويكبر عند نفسه، فيؤدي ذلك إلى التكبر على الناس، لإحساسه بأنهم دونه في المستوى، وينعكس ذلك الإحساس على تصرفاته معهم.

وإن لم يتكبر على الناس فيكفيه فُتوره وعدم حرصه على معرفة عيوبه ونواقصه، لإحساسه بشيء من الكمال في نفسه.

فالحرص الحرص على عدم المدح في الوجه.

****

أخي في الله ..

حافظ على حرمتي، فلا تغتابني تحت أي مسمى من المسميات مثل المصلحة وغيرها، تخيل أنك مكاني، ماذا سيكون شعورك تجاهي عندما تبلغك غيبتي لك؟!

وتذكر قول الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات/١٢].

ولا تحاول أن تسخر مني أو تستهزئ بي بدعوى المزاح، فإن ذلك قد يحزنني، ولا تعمل يا أخي على إحراجي بين الناس، وتذكر قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات/١١].

واعمل على ألا تكلفني مالا أطيق.

ولا تأخذ مني شيء دون رضاي، فقد يمنعني الحياء من محاولة استرداده، وتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يأخذ أحدكم عصا أخيه لاعِبًا ولا جادًا، فمن أخذ عصا أخيه فليردها عليه " (٣).

ونادني يا أخي بأحب الأسماء إليَّ، ولا تُطلق عليَّ لقبًا فيه سخرية أو استهزاء، وتأمل قول الله عز وجل: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات/١١].

ولا تُنَاجِ أحدًا وتُسر إليه بالحديث وأنا معك، فقد تفتح عليَّ بذلك بابًا للشيطان، فكما قال صلى الله عليه وسلم: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، فإن ذلك يُحزنه " (٤).

ولا تروعنى بأى صورة من الصور، مثل أن تأخذ منى شيئًا وتخفيه أو نحو ذلك، سواء كنت جادًّا أو مازحًا.


(١) حديث صحيح: أخرجه البخاري برقم (٦٠٥٨) من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(٢) حديث صحيح: متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (٥٧٢١)، ومسلم برقم (٥٤٣٠، ٥٤٣١) من طريق نفيع بن الحارث رضي الله عنه.
(٣) أخرجه الترمذي في سننه برقم: (٢١٣٧)، وقال: حسن غريب.
(٤) حديث صحيح، متفق عليه: أخرجه البخاري برقم (٥٩٤١)، ومسلم برقم (٤١٤٩) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

<<  <   >  >>