للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

[المقدمة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الروح شيء عظيم من أمر ربي، ولذلك تقترن به الحياة، والإحساس والحركة، وتقترن به الحالة المعنوية للفرد، ومن ثمَّ الأمة.

فعندما تغيب الروح عن الفرد فإن الهزيمة النفسية ستلاحقه حتى تصيبه، وما أخطر تلك الهزيمة على الفرد، وما أشد ضررها على حاضره ومستقبله حين تستحكم حلقاتها حول عنقه!! .. وكيف لا وصاحبها يستسلم للواقع، وينكفئ على ذاته، ويبحث- عبثا- عما يلهيه، ويُنسيه أمر نفسه.

الهزيمة النفسية والإحباط يقتلان الطموح، ويجعلان الشعور باليأس يتسرب إلى كيان الإنسان فلا يجد للحياة طعماً، ولا للمستقبل قيمة ولا وزنًا.

وعندما تُصاب الأمة بالهزيمة النفسية فإن مستقبلها لن يكون أفضل من حاضرها، بل قد يكون أشد قتامة وبؤسًا ..

ومما يدعو للأسف أن هناك آثاراً كثيرةً لهذه الهزيمة يلمسها المدققون والمراقبون لأحوال الأمة الإسلامية، فالانبهار بالغرب وحضارته، والتبعية شبه الكاملة له، وانطماس الهوية ... ما هي إلا بعض مظاهر تلك الهزيمة.

ومع قسوة الواقع إلا أن الأمل لا يزال موجوداً في أن تستعيد الأمة عافيتها، وتنهض من كبوتها: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧]، هذا الأمل يحتاج إلى صاحب عزيمة وقَّادة حتى يترجمه إلى واقع حيّ.

يحتاج إلى من يُوقِف نفسه لقضية إيقاظ الأمة وبث الروح فيها- بعون الله- ويصمم على ذلك تصميماً عظيماً لا تراجع فيه، مستصحبا هذا المعني من رسوله وقدوته محمد صلى الله عليه وسلم عندما قال لعمه أبي طالب:

«يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته» (١).

فلماذا لا تكن أنت -أخي القارئ- ذلك الرجل؟

لماذا لا يعتبر كل منا نفسه مسئولاً عن نهضة الأمة، وعودة مجدها من جديد؟!

إياك ثم إياك أن تستصغر نفسك وتقول: أنا لا أصلح؛ فيقينا أنت تصلح لو صح عزمك وإرادتك .. أتدري لماذا؟!

لأن الأمر كله بيد الله، وهو وحده الذي يحرك الأحداث .. ينصر ويهزم .. يقدم ويؤخر .. يعطي ويمنع، وقد جعل- سبحانه- عطاءه لعباده مرتبطاً بصدقهم وقوة عزيمتهم وإرادتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ومن يتحرَّ الخير يُعطه، ومن يَتَّق الشر يُوقَّهُ» (٢) وقال: «إن تصدق الله يصدقك» (٣).

إذن باستطاعتي، وباستطاعتك- بتوفيق الله تعالى- أن نكون ذلك الرجل، فإن كنت في شك من هذا فاقرأ معي صفحات هذا الكتاب.

* * *


(١) السيرة النبوية لابن هشام ١/ ١٦١ دار التراث - القاهرة.
(٢) حسن، أخرجه الخطيب البغدادي عن أبي الدرداء، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير برقم (٢٣٢٨)، والسلسلة الصحيحة (٣٤٢).
(٣) صحيح، أخرجه النسائي، وأورده الألباني في صحيح الجامع الصغير ح (١٤١٥).

<<  <   >  >>