للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي يريد أن يتأكد من إمكانية جريان هذه السنة على العاملين للإسلام؛ ما عليه إلا أن يقرأ القرآن، ويتأمل في تاريخ بني إسرائيل وكيف أن الله عز وجل قال عنهم في مرحلة من مراحل تاريخهم: "وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" [الدخان: ٣٢]، ويتأمل كذلك كيف أن الله عز وجل استبدل أمة الإسلام بهم، بعد أن مروا بسلسلة طويلة من المحن والابتلاءات لعلهم يفيقون ويعودون إلى رشدهم ولكنهم لم يفعلوا.

وهذا أمر في غاية الخطورة، فالله عز وجل ليس بينه وبين أحد من عباده نسب ولا قرابة، ولقد شرف (الدعاة) باختيارهم لمهمة الإنقاذ، فإذا فرطوا فستتحول الدفة تدريجيًا من أيديهم إلى أيدي فريق إنقاذ جديد، وسيجدون أنفسهم وقد أصبحوا- بتفريطهم- بعيدًا عن شرف حمل هذه الرسالة.

[إياك أن تكون من القاعدين]

ومما تجدر الإشارة إليه أن الله عز وجل لن ينزل علينا كتابا من السماء يخبرنا فيه باستبدال من سيُستبدل، ولكن بمرور الوقت، واستمرار التراخي، والانشغال بطين الأرض، وتناقص عدد من يحمل همَّ الدين، سيُظهر الله الجيل الذي تتوافر فيه الشروط التي يريدها سبحانه، وسيصبح الآخرون أثرًا بعد عين، وتاريخا مضى بعد واقع ملموس، وذكريات يتذكرونها عند ملاقاة بعضهم البعض.

فإن كنت في شك من وجود هذا الخطر فاقرأ ما قاله صاحب الظلال وهو يوجه حديثه للدعاة:

«أيها الدعاة»: إن اختيار الله لكم لحمل دعوته تكريم ومنٌّ وعطاء. فإذا لم تحاولوا أن تكونوا أهلاً لهذا الفضل، وإذا لم تنهضوا بتكاليف هذه المكانة، وإذا لم تدركوا قيمة ما أُعطيتم فيهون عليكم كل ما عداه .. فإن الله يسترد ما وهب، ويختار غيركم لهذه المنة ممن يُقَدِّرُ فضل الله: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (١) [محمد: ٣٨].

وصدق الله {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام: ٨٩].

وعندما تحدث الإمام حسن البنا عن معنى الثبات قال: أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته، مهما بعدت المدة وتطاولت السنوات والأعوام، حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين (٢).

فإن لم يظل عاملا مجاهدًا في سبيل غايته، وقعد أو تراخي، ورضي بوجوده بين أصحابه دون جهد حقيقي يبذله في المشروع الإسلامي فقد ترك مكانه وإن لم يترك، وأصبح من القاعدين وإن ادَّعى غير ذلك إلا إذا جدد العزم وعاد إلى سيرته الأولى.

[السؤال أمام الله عز وجل]

ومن الأخطار الحقيقية التي تواجه كل فرد على حدة:

ملاقاة الله عز وجل يوم القيامة؛ وما ستتضمنه هذه المقابلة من أسئلة علينا أن نجهز أنفسنا للإجابة عنها، والتي تتضمن سؤالا عن الجهد الذي بذله المسلم لإقامة الإسلام، ونصرة المستضعفين، وتبليغ رسالته سبحانه للعالمين {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف: ٤٤].

فلقد أخبرنا القرآن بأن الله عز وجل قد فضل أمة الإسلام على الأمم الأخرى، وخصها برسالته الخاتمة لتقوم بأمرين عظيمين:

أولهما: أن تتمثل الرسالة في ذواتها.

وثانيهما: أن يقوم أبناؤها بتبليغ هذه الرسالة للبشرية جمعاء، وأن يُحسنوا البلاغ حتى ينقذوا كل من بداخله خير وشوق إلى الهداية، وفي نفس الوقت يقيمون الحجة على المجرمين المعاندين، فإذا ما وقفوا أمام الله عز وجل قاموا بالشهادة على الناس: «هؤلاء قمنا بتبليغهم الرسالة واستجابوا، وهؤلاء قمنا بتبليغهم الرسالة ولم يستجيبوا».


(١) في ظلال القرآن ٦/ ٣٣٠٣.
(٢) رسالة التعاليم ص ٣٦٣ من مجموع رسائل الإمام البنا.

<<  <   >  >>