للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠].

كل شيء في هذا الكون قائم به، يستمد احتياجاته منه سبحانه، فجميع إمدادات الخلائق في خزائنه وحده لا شريك له {وَللهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [المنافقون: ٧].

الإمداد بالنوم والاستيقاظ .. الشعور بالراحة أو التعب .. القيام أو القعود أو الجلوس .. الضحك أو البكاء .. الكلام أو الإنصات .. الشهيق أو الزفير .. الهضم أو الامتصاص أو التمثيل الغذائي .. كل هذا وغيره يستمد وجوده وفاعليته من خزائن الله، ولا يوجد أي مصدر آخر في هذا الكون يقوم بذلك {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: ٢١].

[عنده خزائن كل شيء]

عندما طلب الله عز وجل من الملائكة أن تخبره بأسماء الموجودات على ظهر الأرض كانت فحوى إجابتهم: كيف نخبرك بشيء لم تُعلِّمنا إياه {سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: ٣٢].

فالعلم لا يستمد إلا من خزائنه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: ٦٨]. وأي فهم، أو حكمة، أو حجة تأتي على لسان أحد فمن عنده سبحانه:

- {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩].

- {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} [الأنعام: ٨٣].

- {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} [البقرة: ٢٦٩].

وعندما أنزل الله عز وجل الملائكة تقاتل مع المؤمنين في بدر، وأنزل

كذلك النعاس والمطر، ذكَّرهم بأن هذه الأشياء لا تُحدث نصراً بذاتها .. لماذا؟ لأن النصر لابد وأن يأتي من عنده سبحانه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ - وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ} [الأنفال: ٩ - ١٠].

الدنيا كلها ظلمة، وأى نور فيها فهو مستمد من الله عز وجل "اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ" [النور: ٣٥].

{وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} [النور: ٤٠].

والرحمة التي ترى مظاهرها الكثيرة في الحياة .. كلها مستمدة من خزائن الرحمة الإلهية {مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} [فاطر: ٢].

قال صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الرحمة مائة جزء، أمسك عنده تسعة وتسعين، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفَرَسُ حَافِرها عن ولدها خشية أن تصيبه» (١).

حتى الرحمة التي كانت في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مستمدة من خزائن الرحمة الإلهية {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ} [آل عمران:١٥٩].

وأي جود، وأي كرم تراه في أحد فهو مستمد من خزائن الجود والكرم الإلهي .. جاء في الأثر: «أنا الجواد ومني الجود، أنا الكريم ومني الكرم» (٢).

وكل آثار لقوة تراها في الحياة فهي مستمدة من خزائن الله {لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ} [الكهف: ٣٩].

وعندما قالت عاد {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} كان الرد الإلهي {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت: ١٥].


(١) رواه مسلم في كتاب التوبة (٦٩٠٦).
(٢) أورده ابن رجب في لطائف المعارف ص ١٨٣، دار ابن حزم - بيروت.

<<  <   >  >>