للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[كل شيء بأمره وإمداده]

هذه- إذن- حقيقة الحياة، فكل ما يوجد في جسدك- أخي- من إمكانات وقدرات، لا قيمة لها لو تخلى الله عنها ولم يمدها بفاعليتها لحظة بلحظة، وآنًا بآن، فالأحبال الصوتية التي خلقها الله عز وجل كسبب للنطق، لا يمكنها أن تتحرك حركة واحدة إلا إذا جاءها المدد من الخزائن الإلهية {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [الحجر: ٢١]، وانقباض العضلات وانبساطها والحركة والعدو والرمي يتم بإمداده {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} [الأنفال: ١٧].

حتى الضحك والبكاء {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: ٤٣].

فما من حركة في هذا الكون إلا والله من ورائها {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ} [الحشر: ٥].

[ولا مثقال ذرة]

يقينا لا توجد مثقال ذرة في هذا الكون يمكن لها أن تتحرك بذاتها دون إمداد من الله .. انظر مثلاً إلى النبات واقرأ هذه الآية التي تؤكد على أن الله تعالى قائم عليه في كل مرحلة من مراحل نموه يبث فيه الفاعلية وينقله من طور إلى طور: {وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا} [الأنعام: ٩٩].

وتأمل في الآيات التي تتحدث عن خلق الإنسان وكيفية انتقاله من مرحلة إلى مرحلة ليزداد يقينك بهذه الحقيقة {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ - ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ - ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٢ - ١٤].

نعم، أخي، هذه هي حقيقة الوجود {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ - أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ - لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ - إِنَّا لَمُغْرَمُونَ - بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ - أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ - أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ - لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ - أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ - أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ - نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ - فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: ٦٣ - ٧٤].

[حقيقة الربانية]

هذه الحقيقة كانت تهيمن على رسول الله ^ في كل أموره وأحواله، وكانت تصبغ كلماته وتوجيهاته لأصحابه ولأمته من بعده.

فكان صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: «اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أقاتل» (١).

وكان يقول: «إنما أنا مبلغ والله يهدي، وإنما أنا قاسم، والله يُعطي» (٢).

ويقول: «ما أوتيكم من شيء، ولا أمنعكموه، إن أنا إلا خازن أضع حيث أُمرت» (٣).


(١) صحيح، رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني في صحيح الجامع، ح (٤٧٥٧).
(٢) صحيح، رواه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم (٢٣٤٧).
(٣) صحيح، رواه الإمام أحمد أبو داود، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (٥٥٦٦).

<<  <   >  >>