للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس هذا فحسب بل إنه سبحانه وتعالى قد رغَّب عباده في عيادة المريض، ووعدهم على ذلك بعظيم الجزاء لتكون الزيارة سببًا في رفع معنويات المريض، وتخفيفًا عنه، وتسرية له.

قال صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يعود مسلمًا غُدْوَة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عادة عشيّة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة». (١)

وليس ذلك للمريض فحسب، بل لكل أصحاب الحالات الخاصة والضعفاء كأهل البلاء والأرامل والأيتام.

فهؤلاء تزداد الرحمة والشفقة الإلهية عليهم، وتزداد تبعًا لذلك وصاياه لنا برعايتهم مع وعده - سبحانه- بعظيم الجزاء الذي يفوق ويفوق ثواب الكثير من العبادات.

ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله» وأحسبه قال: «وكالقائم الذي لا يَفتُر، وكالصائم الذي لا يُفطر» (٢).

ويخبرنا عليه الصلاة والسلام مبلغًا عن ربه بأن «من عال جاريتين حتى يبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين» وضم أصابعه (٣).

أما عن اليتيم فلا تسل عن فضل كفالته .. يكفي أن كافله سيكون جار رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة.

وليس هذا فحسب، بل كان الترهيب الشديد من تضييع أمواله {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: ١٠].

[ولماذا الابتلاء؟!]

قد يقول قائل: ولماذا هذه الأقدار المؤلمة، والابتلاءات الشديدة التي تتنافى

-ظاهرًا- مع مظاهر الرحمة الإلهية بالناس؟ ‍!

نعم، قد يكون لهذا السؤال وجاهته إن كانت الدنيا هي دار النعيم الأبدي والمستقر النهائي، ولكن الدنيا ليست كذلك، فهي دار اختبار، يؤدي كل من عليها امتحانًا في مدى عبوديته لربه {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف: ٧].

هذا الامتحان مكون من تكاليف يقوم بها الفرد، وأدوات عليه أن يُحسن التعامل معها، فالتكاليف هي الأوامر والنواهي، والأدوات هي العطاء والمنع.

أما العطاء فهو كل ما يرد على العبد من النعم، والمطلوب منه أن يشكر الله عليها.

والمنع هو كل ما يمنع الله منه العبد من صحة أو مال أو .... ، والمطلوب أن يصبر على ذلك ابتغاء وجه الله.

فالعطاء ليس دليل كرامة من الله للعبد، والمنع ليس دليل إهانة، بل كلاهما مواد اختبار {فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ - وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ - كَلاَّ} [الفجر: ١٥ - ١٧].

فإن قلت: ولماذا لا يمتحن الناس جميعًا في مادة العطاء؟

لو كان الجميع في صحة وعافية ورزق وفير ما استشعر الناس قيمة هذه النعم، ولما انكشف المتواضع من المتكبر، ولا الشاكر من الجاحد، ولا الصابر من الشاكي ربه .. ألم يقل سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: ٣١].

وقال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: ١٦٥].


(١) رواه الترمذي (٩٦٩) وأبو داود (٣٠٩٨) وابن ماجه (١٤٤٢) وهو حديث صحيح، والخريف: أي الثمر المجتني.
(٢) متفق عليه البخاري ١٠/ ٣٦٦، ومسلم (٢٩٨٢).
(٣) رواه مسلم.

<<  <   >  >>