للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذين يروعون الآمنين ويقطعون الطريق حدد الشرع جزاءهم {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣]. ولكن لو تاب هؤلاء اللصوص القتلة لتاب الله عليهم كما جاء في الآية التي تليها:

{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: ٣٤].

وكذلك الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ - إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: ١٥٩، ١٦٠].

[أقبل ولا تخف]

* أخي, إن ربك ينتظرك - وينتظرنا جميعًا - يناديك: أقبل ولا تخف .. متى جئتني قبلتك، وعلى أي حال تكون فيها «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة» (١).

نعم يا أخي إن مغفرته سبحانه تسع كل ذنوبك، وكل ذنوبنا، كل ما هو مطلوب منك أن تُقبل عليه بصدق, أن تعتذر له عما مضى من ذنوب وتقصير.

فإن قلت ولكن ذنبي كبير .. أكبر مما يتخيله أحد.

لا يا أخي، لا تقل هذا، فماذا فعلت؟!

هل سرقت، هل زنيت، هل أشركت، هل ...

مهما فعلت فبابه مفتوح لك .. أتدري لماذا؟

لأنه يريد أن يتوب عليك {وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٧].

ولماذا يريد أن يتوب عليك؟

ليدخلك الجنة، دار أبيك، والتي فيها جزء مخصص لك {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٢١].

وليس أدل على ذلك من فرحته سبحانه الشديدة عندما يتوب عبد من عباده ولو كان من أشد المعاندين له.

تأمل معي قوله صلى الله عليه وسلم «لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح» (٢).

وإليك كذلك هذا الحديث العجيب, قال صلى الله عليه وسلم: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد، ومن الظمآن الوارد» (٣).

[يعلمنا ما نقوله لنتوب]

لما عصا آدم - عليه السلام - ربه، ندم ندمًا شديدًا، ولكنه لم يعرف كيف يعبر عن ندمه واعتذاره لربه, فرأى منه الله هذه الحال فدلَّه - الرحيم - على ما يقوله له، ليختصر عليه الطريق {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: ٣٧].


(١) رواه الترمذي (٣٥٣٤) وقال حديث حسن.
(٢) رواه البخاري ومسلم.
(٣) رواه ابن عساكر في أماليه عن أبى هريرة ... وأورده الهندي في كنز العمال (١٠١٦٥).

<<  <   >  >>