للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[يسهل علينا طريق التوبة]

ولأنه سبحانه يحبنا ويريد لنا الجنة، لذلك فهو يسهل علينا طريق التوبة من كل جانب.

يطمئننا بأنه سيغفر لنا جميع ذنوبنا - مهما بلغت - وذلك بمجرد توبتنا {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: ٥٣].

ويؤكد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى فيقول: «إن عبدًا أصاب ذنبًا فقال: رب أذنبت، فاغفره، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب ذنبًا، فقال: ربَّ أذنبت آخر، فاغفر لي. قال: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم أصاب ذنبًا، فقال: ربَّ أذنبت آخر، فاغفر لي، قال: أعلم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به؟ قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء» (١).

يعني- كما يقول ابن رجب - ما دام على هذا الحال كلما أذنب استغفر (٢).

أتدري ما الذي يغضب ربك غضبًا شديدًا؟

جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن سعة رحمة الله، فقال:

«جئت تسألني عن سعة رحمة الله؟ وأخبرك أن الله تعالى يقول: ما غضبت على أحد غضبي على عبد أتى معصية فتعاظمها في جنب عفوي، فلو كنت معُجَّلا أو كانت العجلة من شأني لعجلت للقانطين من رحمتي» (٣).

لم تعلموا قدري لذلك أخطأتم في حقي

تخيل أن ابنًا من الأبناء قد أخطأ في حق أبيه، ويريد أبوه منه أن يعتذر ليسامحه على خطئه، فتراه يسهل عليه طريق الاعتذار، فيقول له لعلك لم تدرك أن ما فعلته كان خطأ، ولعلك قد أخذتك الغفلة حينها ولعلك .... ، فيجد الابن نفسه مندفعًا إلى الاعتذار بعد أن شعر بالأمان من جانب والده.

أكثر من هذا يفعله الله معنا, تأمل قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: ١١٩].

وقوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: ٥٤].

إنها رسالة تطمين وترغيب تقول لنا: لقد أخطأتم واقترفتم السيئات لأنكم كنتم غافلين عني، جاهلين بقدري، فما عليكم إلا أن تستغفروني لأغفر لكم وأتوب عليكم.

[لننتهز الفرصة]

* أخي القارئ:

وفي نهاية الحديث عن هذا المظهر العظيم من مظاهر حب ربك لك، ولسائر عباده، تبق كلمة لا بد أن تُذكر في هذا المقام وهي أن كل ما قيل في الصفحات السابقة عن ترغيب الله لعباده في التوبة وتيسيره لطريقها، ما هو إلا استدراج منه سبحانه لهم لكي يسارعوا بالفرار والعودة إليه، ومن ثمَّ يرزقهم الحياة الطيبة في الدنيا، والجنة في الآخرة {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: ١٥].

ولكن هب أن البعض لم يستفد من هذه الفرصة العظيمة التي أتاحها الله له، ولم يتب إليه أو يقبل عليه، وظل في غفلته يمنَّي نفسه أنه سيفعل ذلك بعد حين .. بعد أن يحج، أو يزوج الأولاد، أو يخرج على المعاش ... بلا شك أن هؤلاء سيندمون أشد الندم عندما تتسرب أعمارهم يومًا بعد يوم دون أن يشعروا، ثم يفاجئوا بملك الموت أمامهم قد جاءهم ليقبض أرواحهم، ومن ثمَّ ينغلق باب التوبة أمامهم.


(١) متفق عليه.
(٢) شرح الحديث لبيك اللهم لبيك لابن رجب /١٣٦.
(٣) كنز العمال (٥٩٠١).

<<  <   >  >>