للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن عجب أن الرب الرحيم حذرنا كثيرًا من ذلك الموقف كي لا نقع فيه {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ - وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الزمر: ٥٤، ٥٥].

فلننتهز الفرصة، ولنستجب لنصائح ربنا، ولنبادر بالاستغفار والتوبة، والاستفادة من ثمارها في الدنيا قبل الآخرة {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: ٣].

ونختم الحديث عن هذا المظهر العظيم من مظاهر حب الله لعباده بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن للتوبة بابًا عرضُ ما بين مصراعيه ما بين المشرق والمغرب لا يُغلق حتى تطلع الشمس من مغربها» (١).

ثامنًا: من مظاهر حب الله لك:

[حلمه وصبره وستره لك]

* أخي.

نعلم جميعًا أن الله عز وجل حي قيوم لا يغفل ولا ينام, أحاط بالناس جميعًا لا تختلط عليه اللغات، ولا يتوارى عليه شيء ولو كان في قعر الجبال أو قاع البحار.

قريب منا جميعًا، يرى مكاننا، ويسمع كلامنا، ويعلم ما توسوس به أنفسنا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: ١٦].

لا يحدث شيء في أي مكان من الأرض إلا ويعرفه سبحانه، ويحيط به علمًا {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس: ٦١].

لا يغيب عنه - سبحانه - سقوط ورقة يابسة من شجرة وارفة في ليلة مظلمة داخل غابة من الغابات الكثيفة {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: ٥٩].

ومع هذا العلم وهذه الإحاطة فإنه سبحانه قادر مقتدر، لا يعجزه شيء أن يفعله إذا اراد أن يفعله {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: ٤٠].

[كان معنا]

يقينًا- أخي - أن الله عز وجل لم يغب عنا ولو للحظة من لحظات حياتنا {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس: ٦١].

معنى ذلك أنه كان معي ومعك حين عصيناه.

كان معك حين أطلت النظر إلى غير محارمك من النساء.

كان معك وقت أن سمعت مؤذن الفجر ينادي للصلاة، فلم تجب النداء بل تكاسلت وتجاهلت، وأخلدت إلى النوم.

كان معك وأنت تجتهد في إقناع الآخرين بشيء تعلم في قرارة نفسك أنه غير حقيقي، وأنك تكذب عليهم.

كان معي ومعك وقت كل معصية عصيناها، وكل تقصير قصرناه، وكان يقدر - سبحانه - على أن يأخذ الواحد منا على الحال التي كان عليها.

كان يقدر أن يأخذه وهو يكذب .. وهو يطلق بصره .. وهو يحسد غيره .. يأخذه في لحظات شهادة الزور أو لحظات تطاوله على والديه أو ....

كان من السهل واليسير عليه سبحانه أن يأخذنا في هذه الأوضاع المشينة {وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلاَ يَرْجِعُونَ} [يس: ٦٧].


(١) حسن، رواه الطبراني، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ح (٢١٧٧).

<<  <   >  >>