للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالآية تدل دلالة قاطعة على أن الله عز وجل يخوَّفنا ويحذَّرنا رحمةً ورأفةً بنا لكي نرتدع ونبتعد عما نهانا عنه.

فإن قلت وما الداعي لوجود النار من الأصل في ظل وجود هذه الرأفة والرحمة الإلهية؟!

هذا السؤال أجاب عنه القرآن في عدة مواضع منها قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ - مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: ٣٥، ٣٦].

وقوله: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: ٢١].

لا يمكن أن يستوي - بأي حال من الأحوال - المجد المجتهد الذي ألزم نفسه الاستقامة على أمر الله مع من أسرف على نفسه، ولم يبال بأوامر ربه واستهان بها، وعاث في الأرض فسادًا.

إن من دواعي العدل والرحمة الإلهية ألا يستوي هذا مع ذاك {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ} [السجدة: ١٨].

[اللص والسجن]

هب أن لصًا قد اقتحم قرية من القرى، واختبأ في بعض نواحيها، وظل يُغير كل ليلة على منزل من منازلها فيهدد أهله، ويسرق ما فيه.

تُرى على أي حال سيكون أهل هذه القرية التي كانت قبل مجيء هذا اللص آمنة مطمئنة؟!

بلا شك سيتبدل أمنهم فزعًا، وطمأنينتهم رعبًا وهلعًا، وكيف لا وكل واحد منهم يتوقع كل ليلة هجوم اللص على داره ... لا يعرف النوم إلى عينه طريقًا، بل ينخلع قلبه من الفزع إذا ما سمع صوتًا غريبًا حول داره.

هل من المناسب في ظل هذا الوضع المأساوي أن يُترك اللص هكذا دون العمل علىالقبض عليه والقصاص منه تحت مسمى الرحمة.

إن الرحمة تقتضي سرعة الإمساك به وحبسه لتعود السكينة للناس، ويعود إليهم أمنهم.

نعم، أخي القارئ، لا بد من عقاب المخطئ الذي أساء الأدب مع ربه وخالف أوامره، واستخدم ما سخره له من النعم الكثيرة في معصيته.

استخدم يده ورجله وعقله وعينيه ولسانه وشفتيه في محادَّة الله وعصيانه واستحلال محارمه، استخدم كل هذه الأشياء وغيرها -رغمًا عنها- {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤].

ومع هذا كله فالله عز وجل الرءوف الرحيم يحذر العصاة والكافرين, يستحثهم على التوبة ويرغبهم في الجنة ويخوفهم من النار لعلهم يعودون إليه قبل فوات الأوان.

تأمل معي هذه الآيات التي تؤكد هذا المعنى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ - أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ - أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل: ٤٥ - ٤٧].

هل رأيت أخي القارئ بماذا اختتمت هذه الآيات التي تحمل تحذيرًا شديدًا للعصاة {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

نعم, إن ربنا لرءوف رحيم، وما عاقب إنسانًا إلا لأنه هو الذي استدعى واستحق العقوبة بأفعاله الكثيرة المخالفة لأوامر ربه والمستهينة به.

<<  <   >  >>