للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الرياء صورة بغيضة تعكس جهلًا عظيمًا بالله عز وجل، وضعفًا شديدًا في الإيمان به .. هذه الصورة يمكنها أن تضمحل وتنمحي تلقائيًّا بزيادة الإيمان الحقيقي بالله والثقة فيه.

الراغبون في الله:

- يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله .. غبتُ عن أول قتال قاتلته المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين لَيَرَيَنَّ الله مني ما أصنع.

فلما كان يوم أُحد وانكشف المسلمون، قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (يعني: المسلمين)، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء (يعنى: المشركين)، ثم تقدم فاستقبل سعد بن معاذ، فقال: يا سعد، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها دون أحد. قال سعد: فما أستطيع أن أصف ما صنع (١).

- ويقول سعد بن أبي وقاص: لما كانت «أحد» لقيَني عبد الله بن جحش وقال: ألا تدعو الله؟ فقلت: بلى. فخلونا في ناحية، فدعوت، فقلت: يارب إذا لقيت العدو فلَقِّني رجلًا شديدًا بأسه، شديدًا حرده، أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمَّن عبد الله بن جحش على دعائي، ثم قال: اللهم ارزقني رجلًا شديدًا حرده، شديدًا بأسه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتك غدًا قلت: فيم جُدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقت.

قال سعد: كانت دعوة عبد الله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار، وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط (٢).

وعندما أراد مشركوا مكة قتل خبيب بن عدي رضي الله عنه طلب منهم أن يتركوه ليركع ركعتين، فوافقوا. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله، لولا أن تظنوا أني إنما طوَّلت جزعًا من القتل لاستكثرت من الصلاة. ثم رفعوه على خشبة، فلما أوثقوه قال: اللهم إنَّا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يُصنع بنا ..

وبعد أن صلبوه أنشد شعرًا قال فيه:

فذا العرش صبِّرني على ما يُراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد بان مطمعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّع

لعمري ما أحفِلْ إذا مت مسلمًا ... على أي حال كان في الله مضجعي (٣)

ومن ثمار الإيمان

سابعًا: اختفاء الظواهر السلبية وقلة المشكلات بين الأفراد

عندما يضعف الإيمان: يعلو الهوى ويسيطر على الإرادة.

والهوى هو كل ما تميل إليه النفس، أي أن غلبة الهوى معناها سيطرة النفس بأطماعها على إرادة الإنسان وقلبه، فيصبح أسيًرا لها.

فالنفس شحيحة تحب الاستئثار بكل ما تظن أن فيه نفعها فينشأ عن هذا الهوى - عندما يتمكن من القلب - الطمع والظلم والبخل والتعدي على حقوق الآخرين.

والنفس تريد دومًا العلو على الآخرين وتكره أن يتميز عليها أحد فينتج عن ذلك الحسد والحقد.

والنفس تكره الظهور بمظهر المخطئ فينشأ عن هذا الهوى عندما يسيطر على القلب: الكذب والغش والخداع ..

والنفس تكره المشاقّ والتكاليف فينشأ عن ذلك: الفسوق وعدم القيام بالأوامر الشرعية ...

وهكذا تنطلق جميع الظواهر السلبية والمشكلات من ضعف الإيمان وغلبة هوى النفس.


(١) رواه البخاري (٣/ ١٠٣٢، برقم ٢٦٥١).
(٢) أخرجه البيهقي في سننه (٦/ ٣٠٧)، والحاكم في المستدرك (٢/ ٨٦) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه، وأورده الذهبي في السير (١/ ١١٢).
(٣) سيرة ابن هشام (٢/ ١٧٢)، وسيرة ابن كثير (٣/ ١٣٠)، وحلية الأولياء لأبي نُعيم (١/ ١١٣)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (١/ ٤٨).

<<  <   >  >>