للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت/٣٣].

{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف/١٧٠].

فالدعوة إلى الله هي عمل الرسل وأتباعهم {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف/١٠٨].

ونجاح الداعية في دعوته للناس يعني التأثير الإيجابي فيهم .. هذا التأثير يستلزم وجود روح حي، ورغبة جارفة تهيمن على قلبه تستحثه لإنقاذ الآخرين، فيخرُجُ كلامه محملًا بالحرقة والشفقة عليهم .. ولا يمكن التلبس بهذه الحالة إلا من خلال يقظة الإيمان وتمكنه في قلبه.

الإيمان الحي يدفع صاحبه للبدء بنفسه في القيام بالعمل الصالح قبل أن يدعو الناس إليه، فيصدق قوله فعله، ومن ثَمَّ يزداد تأثيره في الآخرين.

يقول سيد قطب: الكلمة البسيطة التي يصاحبها الانفعال، ويؤيدها العمل هي الكلمة المثمرة، التي تُحرك الآخرين إلى العمل.

ويقول: أيما داعية لا يصدق فعله قوله، فإن كلماته تقف على أبواب الآذان لا تتعداها إلى القلوب مهما كانت كلماته بارعة، وعباراته بليغة (١).

القلوب بيد الله:

إن الذي يفتح القلوب لكلام الدعاة هو الله عز وجل فإن رأى منهم صدقًا وإخلاصًا، ورغبة في نفع المدعوين، وشفقة صادقة عليهم فإنه سبحانه يفتح لهم - بفضله - قلوبهم.

وكلما علت منزلة العبد عند ربه بالإيمان أحبه الله عز وجل، ومن ثَمَّ وضع له القبول في الأرض كما في الحديث: «إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: إن الله يحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض» (٢).

أصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك:

انظر إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يمشي بجانب راحلة عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يوصيه قبل سفره على رأس الجيش المتوجه إلى الشام قائلًا: «يا عمرو، اتق الله في سرائرك وعلانيتك واستحيه، فإنه يراك ويرى عملك .. فكن من عمال الآخرة، وأَرِد بما تعمل وجه الله، وكن والدًا لمن معك، ولا تكشفن الناس عن أستارهم، واكتفِ بعلانيتهم .. وإذا وعظت أصحابك فأوجز، وأصلح نفسك تُصلَح لك رعيتك» (٣).

ولما حضر أبا بكر الموت أوصى باستخلاف عمر بن الخطاب، ثم بعث إلى عمر فدعاه فكان مما وصاه به:

إن أول ما أحذرك نفسك، وأحذرك الناس .. فإنهم لن يزالوا خائفين لك فرقين منك ما خفت الله وفَرَقْته (٤).

وعن المِسوَر بن مخرمة قال: كنا نتعلم من عمر بن الخطاب الورع (٥).

ومن ثمار الإيمان:

تاسعًا: اتخاذ القرارات الصعبة

يتعرض المرء في حياته لمواقف تحتاج منه إلى اتخاذ قرارت قد ينتج عنها نقص يلحق به، أو أذى يُصيبه، أو ضيق الآخرين منه، لذلك تجده مترددًا قبل اتخاذها، ويظل يُفكِّر فيها، ويوازن بين الواجب الديني الذي يحُثُّه على فعل الشيء وبين الأضرار التي قد تترتب على فعله، مما قد يؤدي في النهاية إلى ترك القيام به، فيُفوِّت على نفسه مصالح كثيرة في دنياه وآخرته.

هذا الحال يعكس ضَعف القلب وعدم تمكن الإيمان منه، وفي المقابل؛ كلما ازداد الإيمان قَوِي القلب وسهل على صاحبه اتخاذ القرارات التي قد يكون لها من الناحية الظاهرية تأثير سلبي عليه ..


(١) في ظلال القرآن ٤/ ٢٣٦٩.
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري (٣/ ١١٧٥، رقم ٣٠٣٧)، ومسلم (٤/ ٢٠٣٠، رقم ٢٦٣٧).
(٣) حياة الصحابة ١/ ٥٤٤.
(٤) حياة الصحابة ١/ ٥٤١.
(٥) أخرجه ابن سعد (٣/ ٢٩٠).

<<  <   >  >>