للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- زيادة الحرص على فعل الخير أكثر وأكثر.

- زيادة الورع.

- انصراف الرغبة - بعض الشيء - عن الدنيا، وعدم الفرح الشديد بإقبالها وزيادتها، أو الحزن العميق على فواتها ونُقصانها.

- ازدياد التفكير في الموت وإمكانية لقائه في أي وقت، مما يدفعه إلى زيادة التشمير والسباق نحو فعل الخير.

ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه العلامات، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله، قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: ٢٢]. كيف انشرح الصدر؟ قال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح»، قلنا: يا رسول الله، وما علامة ذلك؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله» (١).

[استمرار النمو الحقيقي للإيمان]

عندما تتمكن اليقظة من القلب ويستمر الإمداد، ومن ثَمَّ النمو والارتقاء الإيماني، فإن ذلك من شأنه أن ينعكس على معاملات العبد في شتى المجالات وبخاصة في تعامله مع ربه، ومع الدنيا، ومع المال، ومع الناس، ومع أحداث الحياة ...

هذا النمو من شأنه كذلك أن ينقل القلب من مرحلة إلى مرحلة في رحلة سيره إلى الله حتى يصل إلى أقرب ما يُمكن أن يصل إليه عبد في هذه الرحلة - بعد الأنبياء - حيث الحضور القلبي الدائم مع الله، أو بمعنى آخر: القلب السليم الأبيض الذي لا تضُرُّه فتنة ما دامت السماوات والأرض كما جاء في الحديث: «تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربها نُكِتت فيه نكتة سوداء، وأيُ قلب أنكرها نُكِتت فيه نُكته بيضاء .. حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، ويصير الآخر مربادًا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه» (٢).

وفي أثناء رحلة القلب إلى الله يحدث له حدث هام وفارق ومحوريّ ألا وهو «الولادة الثانية».

وإليك - أخي القارئ - بعضًا من التفصيل حول هذه النقاط التي تتناول انعكاسات النمو الإيماني على الكثير من العلائق والمعاملات.

[التعامل مع الدنيا مقياس النمو الحقيقي للإيمان]

عندما يكون الإيمان مخدرًا نائمًا منزويًا في القلب تجد صاحبه غافلًا، لا يستطيع أن يرى الدنيا على حقيقتها، بل يراها جميلة مبهرة تذهب بالأبصار، فيشتد حرصه عليها، ويزداد فكره فيها وفي كيفية تحصيلها ..

فإن كان هذا الشخص طالبًا في المدرسة أو الجامعة تجده كثير الفكر في مستقبله، وكيف سيُدبِّر أمر زواجه، وعمله، إلخ.

وإن كان فقيرًا تجده يحلم بالغنى، وينظر نظرة الطامع إلى دنيا غيره .. يمُد عينيه إليها ويتمنَّاها لنفسه ...

وإن كان ثريًّا تجده دائم الفكر في كيفية إنماء أمواله، ومسابقة أقرانه، واغتنام كل فرصة تلوح أمامه من شأنها أن تُزيده ثراء.

حالهم جميعًا كحال الأطفال وهم يلهون بالدُمى .. يفرحون إذا ما حصلوا على دُمية جديدة، ويقضون معها الساعات الطوال، ويحزنون عليها إذا ما انكسرت وتعطلت، ويحلمون بشراء المزيد والمزيد منها. فإذا جلس إليهم من يكبُرُهم قليلًا في العمر وتجاوز مرحلة الطفولة، تجده غير مبال بهم وبألعابهم واهتماماتهم.


(١) أخرجه الحاكم (٤/ ٣٤٦، رقم ٧٨٦٣)، والبيهقي في شعب الإيمان (٧/ ٣٥٢، رقم ١٠٥٥٢)، وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة.
(٢) أخرجه مسلم (١/ ٨٩) رقم (٣٨٦)، والأسود المُرباد: شدة البياض في سواد، ومُجخيًا: أي منكوسًا.

<<  <   >  >>