للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي المقابل، فإن الحركة وبذل الجهد في سبيل الله إن لم يكن وراءها زاد متجدد، فإن عواقب وخيمة ستلحق بصاحبها، ويكفيك في بيان هذه الخطورة قوله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، مثل الفتيلة، تُضيء للناس وتحرق نفسها» (١).

فلابد من الأمرين معًا: لابد من الزاد، ولابد من التحرك بهذا الزاد (٢).

بأي الجوانب نبدأ؟ (٣)

بعد أن تعرفنا - باختصار - على الاحتياجات التربوية الأساسية لكل مسلم وأهمية كل جانب منها؛ يبقى السؤال: بأي الجوانب نبدأ؟

بلا شك أن العلم هو البداية: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد/١٩]، فالعلم أساس العمل، ومع ذلك فليس المطلوب علمًا نظريًّا، يُعمق الفجوة بين القول والفعل، بل نريده علمًا نافعًا راسخًا، يزيد القلب خشية وإيمانًا.

لذلك فعلينا الاجتهاد بتحصيل أصل العلوم وأنفعها، ألا وهو: «العلم بالله عز وجل»، والاجتهاد في تحويل هذه المعرفة إلى إيمان.

ولأن التربية الإيمانية بمفهومها الصحيح الشامل - كما سيأتي بيانه - تُركز على معرفة الله عز وجل، وتُركز كذلك على ترجمة هذه المعرفة إلى معانٍ يرسخ مدلولها في القلب - أي أنها قد جمعت بين الخيرين - كان من المناسب البدء بجانب «التربية الإيمانية».

من فوائد البدء بالتربية الإيمانية: (٤)

هناك حلقة مفقودة بين الأقوال والأفعال، والسبب الرئيسي في ذلك هو ضعف الإيمان، فعندما يُهيمن الإيمان الحي على القلب، فإنه يُولِّد في قلب صاحبه طاقة عظيمة، وقوة روحية هائلة تدفعه للقيام بالأفعال التي تناسب المواقف المختلفة من سرَّاء أو ضرَّاء .. لذلك فلو تجاوزنا البدء بالتربية الإيمانية فإن الفجوة ستزداد بين الواجب والواقع وبين العلم والعمل.

فعلى سبيل المثال:

لو بدأنا بالتربية النفسية فإننا قد نقتنع أن بداخلنا أصنامًا ينبغي أن تُزال، وأننا مصابون بداء العُجْب، واستعظام النفس، ولكننا لن نستطيع مقاومة هذا المرض، والوقوف له بالمرصاد، لضعف القوة الروحية اللازمة لذلك.

ونفس الأمر لو بدأنا بالتركيز على التربية الحركية وبذل الجهد في سبيل الله، فسيتحول الأمر بمرور الوقت إلى أداء شكلي روتيني بلا روح، وسيزحف إلى من يفعل ذلك الشعور بالفتور والوحشة وضيق الصدر، وسيفقد تأثيره على الآخرين شيئًا فشيئًا.

من هنا تظهر الحاجة إلى البدء بالتربية الإيمانية بمفهومها الصحيح والذي يعمل باستمرار على توليد القوة الروحية، وتنمية الدافع الذاتي، وتقوية الوازع الداخلي، وبث الروح في الأقوال والأفعال، ومن ثَمَّ يسهل على المرء بعد ذلك القيام بالأعمال المطلوبة لتحقيق أهداف التربية النفسية والحركية: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون/٥٧ - ٦١].


(١) حديث صحيح: أخرجه الطبراني، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٥٨٣٧.
(٢) هذه الفقرة من كتاب «التوازن التربوي وأهميته لكل مسلم»، من ص ٧٨ - ٨١، باختصار.
(٣) المصدر السابق.
(٤) المصدر السابق.

<<  <   >  >>