للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يهاجر إلى مثلها. فإنّه من مهاجرة الحبشة, فمن يرائي بذلك, وإلى أيّ غرض يتوصّل؟ فقبّح الله من يجترىء على الله ببهت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فإن كان صدر من حذيفة شيء من ذلك فلعلّه تأوّل في ذلك وغلط فيه, وربّما أخذ ذلك من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الإمام عليّ ... - رضي الله عنه -: ((لا يحبّك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)) (١). وأخذ بغضه لعليّ - رضي الله عنه - من تخلّفه عنه, وهذا كلّه ضعيف, فإنّ التّخلّف لا يدلّ على البغض, ولا يستلزم استخراج النّفاق, فقد تخلّف عنه من أعيان الصّحابة مثل: ابن عمر, وعمران بن حصين, -الذي كانت الملائكة تسلم عليه- وأبي سعيد الخدريّ, وأسامة بن زيد حبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وهو الذي قال لعليّ - رضي الله عنه -: والله لو كنت شدق الأسد ما تخلّفت عنك, ولكنّي أقسمت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا قاتلت بعده أحداً ممن يشهد أن لا إله إلا الله.

على أنّ بغض علي - رضي الله عنه - إنّما كان علامة للنّفاق في أوّل الإسلام, فإنّ المنافقين كانوا يبغضون من كان فيه قوّة على الحرب لكراهتهم لقوّة الإسلام, ولذلك جاء في الحديث أيضاً: ((أنّ بغض الأنصار علامة النّفاق)) (٢) لهذا المعنى, (١ وكذلك حبّهم وحبّ عليّ كان في ذلك الزّمان علامة الإيمان (٣) لهذا المعنى, فأمّا في الأعصار المتأخّرة عن أوّل الإسلام فلا يدلّ على ذلك, فإنّ الخوارج


(١) تقدم تخريجه (ص/٩٤).
(٢) أخرجه مسلم برقم: (٧٨).
(٣) ما بينهما تكرر في (أ).