للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرّابع: سلّمنا أنّ هذا لحن لا وجه له, فإنّه لا يدلّ على عدم المعرفة, فإنّ كثيراً من علماء العربيّة يتكلّم بلسان العامّة ويتعمّد النّطق باللّحن, بل قد يتكلّم العربي بالعجميّة ولا يقدح ذلك في عربيّته, وعلى الجملة؛ فكيف ما دارت المسألة فإنّ ذلك لا يدلّ على قصور الإمام أبي حنيفة, بل يدلّ على غفلة المعترض به وتغفيله, وجرأته على وصم هذا الإمام الجليل وتجهيله.

وأمّا قدحه عليه بالرّواية عن المضعّفين, وقوله: إنّ ذلك ليس إلا لقلّة معرفته بالحديث؛ فهو وهم فاحش, لا يتكلّم به منصف.

والجواب على ذلك يتبيّن بذكر محامل:

المحمل الأول: أنّه قد علم من مذهب أبي حنيفة -رحمه الله- إنّه يقبل المجهول, وإلى ذلك ذهب كثير من العلماء كما قدّمناه (١) , ولا شكّ أنّهم إنّما يقبلونه حيث لايعارضه حديث الثّقة المعلوم العدالة, لأنّ التّرجيح بزيادة الثّقة والحفظ عند التّعارض أمر مجمع عليه, ولا شكّ أنّ الغالب على حملة العلم النّبويّ في ذلك الزّمان العدالة, /ويشهد لذلك الحديث الثّابت المشهور: ((خيركم القرن الذي أنا فيهم, ثمّ الذين يلونهم ثم الذين يلونهم؛ ثم يفشو الكذب من


(١) (ص/٣٧, ٤٣).