للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاستعار اسمها للمحبّة, ثم أخذ يفتنُّ في ترشيح الاستعارة بذكر أوصاف الخمرة ومتعلّقاتها متناسياً للتّشبيه, فذكر الشّرب, والسّاقي, والشّذا, والحان, والنّشوة, والدّنان, والفدام, وختم الإناء, والنّضح منها, والكرم الذي منه عنبها, والحائط الذي كانت غروس العنب فيه, والسّكر منها, والدّير الذي شربت فيه (١) , وهنّأ لأهل الدّير بسكرهم منها, وذكر مزاجها وشربها صرفاً على الألحان التي تصاحبها في العادة, وزوال الهم معها, وشبّه الكأس الذي تشرب فيه بالنّجم, والسّاقي في جماله بالهلال, وأمثال ذلك.

فمن زعم أنّ هذا نظم خارج عن طريقة (٢) العرب, غير بليغ ولا مستقيم, فهو بهيميّ الطبع جامد القريحة, ومن أقرّ أنّه عربي بليغ في أرفع درجات الصّنعة البديعية عند أهل هذا الشّأن؛ لزمه ألا يقول فيما هو دونه (٣) بدرجات كثيرة من القرآن والحديث أنّه يستحيل تأويله على قانون اللغة العربية في التّجوّز, وبطل قول من يدّعي في كثير من ذلك أن التّجوّز فيه داخل في حدّ الإلغاز والتعمية, وما لا يجوز على الله تعالى, وأنّه يتعذّر معرفة الوجه فيه على جميع من أظلّت السّماء من العلماء والبلغاء والفطناء من أوّل الدّهر إلى آخره! وانظر أيّ تجوّز في السّنّة بلغ إلى هذا المبلغ الذي ذكرته لك في البعد عن الحقيقة.

فإن قلت: إنّ هذه المبالغة لا يجوز دخولها في القرآن والحديث لأنّها كذب محض, ولا يجوز ذلك في كتاب الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -.


(١) في نسخة: ((منه)) كذا في هامش (أ) و (ي) وهو كذلك في (س).
(٢) في (س): ((لغة)).
(٣) أي: أقل منه مبالغة.