للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي كلام الفخر ابن الخطيب الرّازي أشياء في ذلك فاتني لفظها, وقد ذكرت جملة صالحة ممّا يدلّ على براءة أئمة السّنّة من الجبر, ونقلت في ذلك ألفاظهم من كتبهم الشّهيرة, وأشرت إلى معنى قولهم بخلق أفعال العباد, وقد تقدّم ذلك في ((الوهم الثالث عشر)) من هذا ((المختصر)) (١) فخذه من هنالك, فإنّه قد يتوهّم أن قولهم بالاختيار مع قولهم بخلق الأفعال مناقضة صريحة, وليس هذا بلازم من مجرّد إطلاق هذا اللّفظ, مع فرقهم بين خلق الله تعالى وفعله, وقولهم: إن أفعال العباد لا توصف بأنّها فعل الله تعالى, فقد عنوا بخلق الأفعال غير ما توهّمه منهم المعتزلة, ومما يدلّ على ذلك: أنّ العلم لو كان يخرج القادر عن القدرة لقدح ذلك في كونه تعالى قادراً, ولكان تعالى غير قادر على ترك ما علم أنّه سيخلقه, ولا على خلق ما علم أنّه لا يخلقه, ولكان العلم كافياً في إيجاد المخلوقات من غير قدرة ولا خلق, ونحو ذلك مما أجمعت الأمّة بل العقلاء على بطلانه, وقد وردت الآيات الكريمة والأحاديث الصّحيحة بما يدلّ على نفي الجبر وثبوت الاختيار:

قال الله تعالى: ((لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها)) [البقرة/٢٨٦] وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث القسم للنساء: ((اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تؤاخذني فيما لا أملك)) رواه أبو داود في ((السّنن)) (٢) , قال


(١) (ص/٣٥٤).
(٢) (٢/ ٦٠١).
وليس من أفراده فقد أخرجه النسائي: (٧/ ٦٣) , والترمذي: (٣/ ٤٤٦) , وابن ماجه (١/ ٦٣٤) , من حديث عائشة -رضي الله عنها-.