للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمجانبة للمكروهات ليس مجرّد اعتقاد أنّ الله تعالى يعاقب على الذّنب, وإنّما هو شرف في النّفوس وحياء في القلوب من مبارزة المنعم /بجميع النّعم بالمعاصي, ولهذا فإنّ أكثر الخلق محافظة على الخير ومجانبة للمكروه أشدهم حياء من الله تعالى وإجلالاً له, وأمّا مجرّد الاعتقاد فهو واحد لا يزيد ولا ينقص؛ ولهذا تجد الوعيديّة مختلفين مع اتحاد معتقدهم, ولكن تفاضلوا في شرف النّفوس وأنفتها من دناءة المعاصي, ومذلّة كفران المنعم (١) , وتفاوتت مراتبهم في شدّة الحياء من ملك الملوك وربّ الأرباب, وتباينت هممهم في التعظيم والإجلال لمن بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير, ولهذا فإن أقرب الخلق إلى الله أخوفهم منه وآنسهم به وأطوعهم له.

ولهذا اشتدّ خوف الأنبياء والأولياء من الله تعالى وعظم أنسهم به, وكانوا أطوع خلقه لو وأرغبهم إليه, وقد كان كثير من الصّالحين لا يرضى أن يعبد الله تعالى خوفاً من العذاب ولا رغبة في الثّواب. وقالت المعتزلة (٢): إن نوى ذلك بعبادته لم تصح, ولهذا اختلفت حال (٣) الكفّار المنكرين للمعاد من المشركين والفلاسفة: فكان منهم


(١) في (س): ((النعم)).
(٢) في هامش (أ) و (ي) ما نصّه:
((في شرح ابن النحوي ((للمنهاج)) في باب صفة الصلاة: ((فرع منقول عن الإمام فخر الدين الرّازي, عن المتكلّمين أنّه لا يصح عبادة, ولم يخص بالمعتزلة فينظر. تمت من خطّ القاضي العلامة محمد بن عبد الملك -رحمه الله-)).
(٣) في نسخة: ((أحوال)) كذا في هامش (أ) و (ي) وهو كذلك في (س).