للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الأول

نظرة الإسلام للعمل والعمال

اهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالعمل والعمال، وكرّمهم أحسن تكريم، وذلك حينما عدّ العمل دليلاً على القيام بمهام الرسالة التي أمر الله تعالى بها الناس في قوله - سبحانه وتعالى -: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} (١)، ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أن الإنسان حينما يعمل يكون قد أدّى رسالة ربه، وبالعمل كذلك يقوم دعوة الله عز وجل إلى الإعمار والإصلاح.

ومن خلال هذه الدعوة حثّ الإسلام الناس على العمل ورغّب فيه، وحارب الكسل والخمول والاتكال على الغير، وقد ضرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام- رضي الله عنهم- أروع الأمثلة العملية في تطبيق هذا المبدأ فنراه - صلى الله عليه وسلم - ينزل ميادين العمل ويشارك صحابته الكرام في كثيرٍ من المواقف التي تكون بحاجة إلى عمل، كنقله للتراب عندما شرع المسلمون في حفر الخندق (٢) K وحتى يتجلّى هذا الاهتمام الرباني والحث النبوي على العمل وطلب الرزق والخروج سعياً له، جاءت جملة من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد حرص الإسلام على العمل والاهتمام بالعمال منها:

١. قال الله - سبحانه وتعالى -: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (٣) ووجه الاستدلال من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى امتن على عباده بأن جعل لهم الأرض مذللة ومنبسطة؛ ليستفيد من فيها بما فيها ويعملوا ليحصلوا الكفاية.

٢. قصّ علينا القرآن الكريم أحوال الأنبياء عليهم السلام الذين كانوا يحرصون على طلب الرزق والعمل، من أجل كسب الحاجات الأساسية، كموسى عليه الصلاة والسلام الذي رعى الغنم على رجل مدين (أجير خاص)، فقال الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (٤)، وكذلك نبي الله داود عليه الصلاة والسلام الذي كان يعمل صانعاً للدروع من أجل بيعها


(١) سورة هود، آية رقم ٦١.
(٢) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب حفر الخندق ص ٧٤٠ برقم٣٠٣٣، ورواه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب ص (٧٨٠)، رقم ١٨٠٣.
(٣) سورة الملك، آية رقم ١٥.
(٤) سورة القصص، آية رقم ٢٧.