للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب السادس

تنفيذ الأوامر بالقدر الذي يخصّ العمل

لا بدّ أن يكون العامل منضبطاً ملتزماً، يسمع ويطيع، ويحترم النظم واللوائح التي يضعها صاحب المنشأة، ما دامت لا تتعارض مع شرع الله - سبحانه وتعالى -، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ومرجع ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكَرِه، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " (١)، أما عند أهل القانون فإن العامل يُلزم بإطاعة صاحب العمل إنطلاقاً من مبدأ التبعية القانونية، الذي يُعطي صاحب العمل حق الإشراف والإدارة، كما يوجب على العامل إطاعته في هذا الصدد، ولكن هذه الطاعة مقيّدة وليست مطلقة، وهو ما يعني أن تكون الأوامر والتعليمات الصادرة من صاحب العمل تتعلق بالعمل، فلا تمتدّ سلطة صاحب العمل إلى خارج هذا النطاق، كأن يُصدر صاحب العمل أوامر تتعلق بحياة العامل الشخصية ومعيشته الخاصة خارج نطاق العمل، وكل ذلك إذا وضع صاحب العمل النظام الداخلي لتنظيم شؤون العمل في مؤسسته، وإذا لم يوجد هذا النظام المكتوب فيلتزم العامل بالأوامر الشفهية الصادرة من صاحب العمل (٢)، وهناك من علماء الشريعة المعاصرين من أشار إلى الحدود التي يجب على العامل طاعة أوامر صاحب العمل ضمنها، وهي:

١. أن يكون العمل المطلوب فعله مما اتفق عليه في العقد، وإذا أراد صاحب العمل تشغيل العامل في غير ما اتفق عليه يحق للعامل الامتناع، سوى حالات الضرورة، كمنع وقوع حوادث أو القوة القاهرة، وقد نصّ على ذلك قانون العمل الفلسطيني، دون تحديد معيارٍ للضرورة، ومن هو صاحب الحق في تحديدها، حيث جاء في المادة رقم (٣١):" لا يلزم العامل بالعمل في غير المتفق عليه في العقد، إذا أدّى إلى تغيير مكان إقامته" (٣)؛ لأن الأصل في عقد العمل أن مكان العمل من العناصر الجوهرية للتعاقد، لما لذلك من تأثير ملحوظ على مجرى حياة العامل وسكناه وانتقاله وتعليم أبنائه، ولكن هل يُمكن أن يمتنع العامل ويُعتبر نقله من محافظة إلى أخرى دون رضاه باطلاً؟ وهل يُعتبر موافقته دون رضاه؟ هذا ما لم يُفصح عنه قانون العمل الفلسطيني بوضوح، حيث نصّت المادة رقم (٣٢) من القانون نفسه:" لا يجوز تكليف العامل بعمل يختلف اختلافاً بيناً عن طبيعة العمل المتفق عليه في عقد العمل، إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك منعاً لوقوع حادث، أو القوة القاهرة على أن يكون ذلك


(١) سبق تخريجه ص ٣٥.
(٢) أبو شنب، شرح قانون العمل الأردني، ص ١٤٩.
(٣) وزارة العمل، قانون العمل الفلسطيني، ص ١٨.