للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الأول

حق العامل على الدولة بتوفير فرصة عمل

لا شك أنّ مبادئ الاقتصاد الإسلامي تقوم على الحرية الاقتصادية، المنضبطة بالنُّظم الإسلامية، وأنّ العامل له الحق في اختيار العمل الذي يناسبه، ويتفق - ولو بنسبة متغيّرة- مع ميوله ورغبته، ولا بدّ من تقرير مبدأ هام، ألا وهو مساواة الناس في اختيار عملهم المناسب، فكلٌ مُيسّرٌ لما خُلق له، وكل الناس سواسية.

وإذا كان العمل واجباً في نظر الشارع والسؤال محظوراً إلا لمن يحتاجه، والدولة الإسلامية ما قامت إلا لتحقيق ما يحبه الشارع، وإزالة ما يكرهه، فمن الطبيعي أن تقوم الدولة الإسلامية بتسهيل سُبل العمل والكسب للأفراد، فهذا بعض ما عليها للمواطنين فتوجِد العمل لمن يحتاجه، وتقوم بإيجاد المشاريع النافعة لتشغيل الأفراد، ولا تنفق موارد الدولة على التوافه من الأمور، وعلى ما لا ينفع، وحتى إذا اقتضى الأمر لتشغيل الأفراد أن تقوم بإقراضهم من خزينة الدولة، فالقرض جائز وهو من أفضل الصدقة.

ولأن الفرد المسلم في مجتمعه له حقوق كثيرة، منها إلزام الدولة بإيجاد عمل لكل قادر عليه، محاربة للفقر والبطالة، ولقد أسست السنة الفعلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - القاعدة المكينة، حينما جاءه رجل أنصاري ليسأله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حِلسٌ (١) نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقدحٌ نشرب فيه الماء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" ائتني بهما قال: فأتاه بهما، فأخذهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثم قال: "من يشتري هذين؟ " فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" من يزيد؟ مرتين أو ثلاثاً" فقال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال:" اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر (قدّوماً) (٢) فأتني به، ففعل، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نشر فيه عوداً بيده وقال:" اذهب واحتطب، ولا أراك خمسة عشر يوماً"، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:" اشتر ببعضهما طعاماً، وببعضهما ثوباً، هذا خيرٌ لك من أن تجيء المسألة نُكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة، لذي فقر مدقع، أو لذي غُرم مفظع، أو لذي دم موجع" (٣)،

وموضع الاستدلال من هذا الحديث أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حرص على تأمين العمل لهذا


(١) كساء على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت كريم المتاع، الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص٥٣٨.
(٢) آلة للنجر والنحت، وجمعها قدائم، المصدر نفسه، ص ١١٤٧.
(٣) رواه أبو داود في سننه، ص٢٨٥، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة، برقم (١٦٤١)، وقال عنه الشيخ الألباني: حديث ضعيف ..