للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَصْلُ الْسَّادِسُ: مَوَانِعُ الْغَضَبِ.

الْمَانِعُ الأَوَّلُ: الْعِلْمُ بِأَنَّ عِزَّ الْنَفْسِ في ذُلِّهَا، فَمَنْ نَصَرَهَا أَذَلَّهَا، وَمَنْ أَذَلَّهَا أَعَزَّهَا.

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - (مَا نِيْلَ مِنْهُ شَيءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ). رواه مسلم (١).

قُلْتُ: فَقَدْ نَالُوهُ بِالأَقْوَالِ وَالأَفْعَال؛ فَلَمْ تَزِدْهُ إِلاَ صَبْراً وَاحْتِمَالاً؛ فَكَانَ - صلى الله عليه وسلم - كَعُوْدٍ زَادَهُ الإحْرَاقُ طِيْباً.

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِي رَحِمَهُ الله: ُ مَا أَعَزَّ الإنْسَانَ نَفْسَهُ بِمِثْلِ ذُلِهَا.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: - صلى الله عليه وسلم - (مَا زَادَ الله ُ عَبْدَاً بِعَفْوٍ إلا عِزَّاً) رواه مسلم وتفرد به (٢).

قُلْتُ: وَفِي الْعَفْوِ إِذْلاَلُهَا، وَبِهِ إِعْزَازُهَا،

وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رضي الله عنه -:

وَكَانَتْ عَلَى الأَيَامِ نَفْسِي عَزِيْزَةً ... فَلَمَّا رَأَتْ صَبْرِي عَلَى الْذِّلِ ذَلَّتِ

الْمَانِعُ الْثَّانِي: الْحِلْمُ.

سُئِلَ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ الْحِلْمِ فَقَالَ: هُوَ الْذُّلُ يَا بْنَ أَخِي أَتَصْبِرُ عَلَيْهِ

وَقَالَ لُقْمَانُ الْحَكِيْمُ: ثَلاَثَةٌ لاَ تَعْرِفُهُمْ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةٍ؛ لاَ تَعْرِفُ الْحَلِيْمَ إلا عِنْدَ الْغَضَبِ، وَلاَ الْشُّجَاعَ إلا عِنْدَ الْحَرَبِ، وَلاَ أَخَاكَ إلا إِذَا احْتَجْتَ إليهِ.

وَقَدْ قِيْل:

مَنْ يَدَّعِى الْحِلْمَ أَغْضِبْهُ لِتَعْرَفَهُ لاَ يُعْرَفُ الْحِلْمُ إلا سَاعَةَ الْغَضَبِ

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِي: الْمُؤْمِنُ حَلِيْمٌ لاَ يَجْهَلُ وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ. وَتَلاَ قَوْلَهُ تعالى {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً} الفرقان٦٣

وَقالَ علىُّ بْنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - أَوُّلُ عِوَضٍ للحَلِيْم ِعَلَى حِلْمِهِ؛ أَنَّ الْنَّاسَ أَنْصَارُهُ.


(١) مسلم برقم٢٣٢٧ج٤ص١٨١٣ باب مباعدته للآثام
(٢) سبق تخريجه.

<<  <   >  >>